فالمَقصودُ من هذا الحَديثِ هو دَفعُ حاجةِ الفُقراءِ والمَساكينِ وإِغناؤُهم، ولا يَختلِفُ ذلك بعدَ اتِّحادِ قَدرِ الماليَّةِ مع اختِلافِ صُورِ الأَموالِ، والإغناءُ يَتحقَّقُ بالقيمةِ كما يَتحقَّقُ بالطَّعامِ، ورُبَّما كانَت؛ إذ كَثرةُ الطَّعامِ عندَ الفَقيرِ تُحوِجُه إلى بَيعِها، والقيمةُ تُمكِّنُه من شِراءِ ما يَلزمُه من الأطعِمةِ والمَلابِسِ وسائِرِ الحاجاتِ.
قالَ السَّرخَسيُّ ﵀: والإغناءُ يَحصلُ بأداءِ القيمةِ كما يَحصلُ بأداءِ (الطَّعامِ) ورُبَّما يَكونُ سَدُّ الخَلةِ بأداءِ القيمةِ أظهَرَ ولا نَقولُ بأنَّ الواجِبَ حَقُّ الفَقيرِ ولكنِ الواجِبُ حَقُ اللهِ تعالَى خالِصًا، ولكنَّه مَصروفٌ إلى الفَقيرِ ليَكونَ كِفايةً له من اللهِ تعالَى عما وعَدَ له من الرِّزقِ، فكانَ المُعتبَرُ في حَقِّ الفَقيرِ أنَّه مَحلٌّ صالِحٌ لكِفايتِه له، فكانَ هذا نَظيرَ الجِزيةِ فإنَّها وجَبَت لكِفايةِ المُقاتِلةِ فكانَ المُعتبَرُ في حَقِّهم أنَّه مَحلٌّ صالِحٌ لكِفايتِهم حتى تَتأدَّى بالقِيمةِ (١).
وقالَ في مَوضعٍ آخَرَ: فإنْ أَعطَى قيمةَ الحِنطةِ جازَ عندَنا؛ لأنَّ المُعتبَرَ حُصولُ الغِنى، وذلك يَحصلُ بالقيمةِ كما يَحصلُ بالحِنطةِ.