قالَ ابنُ عَبدِ البَرِّ ﵀: هذا يَدلُّ على أنَّ كَسبَ الحَجَّامِ طَيِّبٌ؛ لأنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ لَا يَجعَلُ ثَمنًا ولا جُعلًا ولا عِوضًا لِشَيءٍ مِنْ الباطِلِ، وحَديثُ أنَسٍ هذا ناسِخٌ لِمَا حرَّمَه النَّبِيُّ ﷺ مِنْ ثَمنِ الدَّمِ، وناسِخٌ لِمَا كَرِهَه مِنْ إجارةِ الحَجَّامِ (٢).
وعن مُحمَّدِ بنِ سَهْلِ بنِ أبي حَثْمَةَ عن مُحَيِّصَةَ بنِ مَسعودٍ الأَنْصَاريِّ:«أنَّه قد كانَ له غُلامٌ حَجَّامٌ، يُقالُ له: نافِعٌ، وأبو طَيبَةَ، فَانطَلَقَ إلى رَسولِ اللَّهِ ﷺ، فسَأَلَهُ عن خَرَاجِهِ، فقالَ: لا تَقْرَبَنَّهُ. فرَدَّ ذلك على رَسولِ اللَّهِ ﷺ، فقالَ: اعْلِفْ بهِ النَّاضِحَ، اجعَلُوهُ في كِرشِهِ».
وعنِ ابنِ شِهابٍ عن حَرَامِ بنِ سَعدِ بنِ مُحيِّصَةَ عن المُحَيِّصَةِ، -رَجُلٌ مِنْ بَنِي حارِثَةَ- أنَّه:«قد كانَ له حَجَّامٌ، واسْمُ الرجُلِ المُحَيِّصَةُ، سأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عن ذلك، فنَهَاهُ أنْ يَأْكُلَ كَسْبَهُ، ثمَّ عادَ فنَهَاهُ، ثمَّ عادَ فنَهَاهُ، ثمَّ عادَ فنَهَاهُ، فلَم يَزَلْ يُراجِعُهُ حتى قالَ له رَسولُ اللَّهِ ﷺ: اعْلِفْ كَسْبَهُ ناضِحَكَ، وأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ»(٣)؛ فَفي هذه الآثارِ إباحةُ كَسْبِ الحَجَّامِ.
قالَ الطَّحاويُّ ﵀: فدَلَّ ما ذَكَرْنا على أنَّ ما كانَ مِنْ رَسولِ اللَّهِ
(١) رَواه الطَّحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ١٣١). (٢) «التمهيد» (٢/ ٢٢٤)، و «الاستذكار» (٨/ ١٥١)، و «تفسير القرطبي» (٦/ ١٨٤). (٣) رَواه الطَّحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ١٣١).