صِهرَ رَسولِ اللهِ ﷺ فما نفِسْناه (١) عليك، قالَ علِيٌّ: أَرسِلُوهما، فانطَلَقا، واضْطَجعَ علِيٌّ، قالَ: فلمَّا صلَّى رَسولُ اللهِ ﷺ الظُّهرَ سبَقْناه إلَى الحُجرَةِ، فقُمْنا عندَها، حتى جاءَ فأخَذَ بآذَانِنا، ثُم قالَ: «أَخرِجا ما تُصرِّرانِ» (٢) ثُم دخَلَ ودخَلْنا علَيه، وهو يَومَئذٍ عندَ زَينَبَ بِنتِ جَحشٍ، قالَ: فتَواكَلْنا الكَلامَ، ثُم تَكلَّمَ أَحدُنا، فقالَ: يَا رَسولَ اللهِ، أنتَ أَبرُّ النَّاسِ وأَوصَلُ النَّاسِ، وقَد بَلَغنا النِّكاحَ (٣)، فجِئْنا لتُؤمِّرَنا على بعضِ هذه الصَّدقاتِ، فنُؤدِّيَ إليك كما يُؤدِّي النَّاسُ، ونُصيبَ كما يُصيبونَ، قالَ: فسكَتَ طَويلًا حتى أرَدْنا أنْ نُكلِّمَه، قالَ: وجعَلَت زَينَبُ تُلمِعُ (٤) علينا مِنْ وَراءِ الحِجابِ أنْ: لَا تُكلِّماه، قالَ: ثُم قالَ: «إنَّ الصَّدقةَ لَا تَنبَغِي لآلِ مُحمَّدٍ؛ إنَّما هي أَوساخُ النَّاسِ، ادعُوَا لِي مَحميَةَ (٥) - وكانَ على الخُمسِ- ونَوفَلَ بنَ الحارِثِ بنِ عبدِ المُطَّلبِ». قالَ: فجاآه، فقالَ لمَحمِيةَ: «أَنكحْ هذا الغُلامَ ابنَتكَ» للفَضلِ بنِ عَباسٍ، فأَنكَحَه، وقالَ لنَوفَلِ بنِ الحارِثِ:
(١) فما نفَساهُ عليك: أي لم نَحسدْك فيه. «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (٣/ ٦٢٩).(٢) ما تُصرِّرانِ: ما تَجمَعانِه في صُدورِكما. «النهاية في غريب الحديث والأثر» (٣/ ٢٣).(٣) بلَغنا النِّكاح: أي الحُلُم، ومنه قولُه تعالَى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾. «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (٣/ ٦٢٧).(٤) تَلمعُ: أي تُشيرُ بيدِها. «النهاية في غريب الحديث والأثر» (٤/ ٢٧١).(٥) مَحميَةُ بنُ جَزءِ بنِ عبدِ يَغوثَ الزُّبَيديُّ حَليفُ بَني سَهمٍ من قُريشٍ، كانَ قَديمَ الإسلامِ، وهاجَرَ إلى الحَبشةِ وكانَ عامِلَ رَسولِ اللهِ ﷺ على الأَخماسِ، قيلَ: إنَّه شهِدَ بَدرًا فيما ذكَرَ ابنُ الكلبيِّ، وقالَ الواقِديُّ: أوَّلُ مَشاهِدِه المُرَيسيعُ، «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (٤/ ٢٤)، و «الإصابة في تمييز الصحابة» (٦/ ٣٦، ٣٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute