المُتخصِّرينَ في الجَنةِ قَليلٌ»، قيلَ: مَعناه: تَحكَّمْ بها في الجَنةِ كما يَتحكَّمُ المُلوكُ بما يَشاؤُونَ، وقيلَ: مَعناه: ليَكنْ هذا عَلامةً بيني وبينَك يَومَ القيامةِ، حتى أُجازيَك على صَنيعِكَ بسُؤالِ الزِّيادةِ في الدَّرجةِ لكَ؛ فإنَّ مِثلَك ممَّن يَكونُ بينَه وبينَ نَبيِّه عَلامةٌ فيُجازيه على صَنيعِه في الجَنةِ. قيلَ: فكانَت عندَ ابنِ أُنيسٍ حتى إذا ماتَ أمَرَ أهلَه أنْ يُدرِجوها في كَفَنِه (١).
ومُرادُه من القِصةِ الاستِدلالُ بقَولِه:«جِئتُ لأنصُرَك وأُكثِّرَك»؛ فإنَّ ذلك لم يَكنْ أمانًا منه.
وذكَرَ حَديثَ يَزيدَ بنِ رُومانَ قالَ: لمَّا بلَغَ رَسولَ اللهِ ﷺ قُدومُ كَعبِ بنِ الأشرَفِ وإعلانُه بالشَّرِّ وقَولُه الأشعارَ، وكَعبٌ هذا من عُظماءِ اليَهودِ بيَثرِبَ، وهو المُرادُ بالطاغوتِ المَذكورِ في قَول اللهِ تَعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠]، وكانَ يَستَقصي في إظهارِ العَداوةِ مع رَسولِ اللهِ ﷺ حينَ قدِمَ مَكةَ بعدَ حَربِ بَدرٍ، وجعَلَ يَرثي قَتلاهم، ويَهجو رَسولَ اللهِ ﷺ في أشعارِه، ويَحُثُّهم على الانتِقامِ فمِن ذلك القَصيدةُ التي أوَّلُها:
فلمَّا رجَعَ إلى المَدينةِ قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ لي بابنِ الأشرفِ؟ (٢)؛ فإنَّه قد آذاني»، فقالَ مُحمدُ بنُ مَسلَمةَ: أنا له يا رَسولَ اللهِ،
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٢/ ٥، ٦)، و «أخبار أصبهان» (١/ ١٨٩، ١٩٠) و (٢/ ٢٨٩). (٢) رَوى هذه القِصةَ البُخاريُّ في «صحيحه» (٤٠٣٧) بَاب قَتلِ كَعبِ بنِ الأشرَفِ، ومسلم (٤٧٦٥)، وأبو داود في «سننه» (٢٧٦٨)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٤١)، والحاكم في «المستدرك» (٣/ ٤٩٢).