وبما رَواه عبدُ اللهِ بنُ عُكَيمٍ أنَّ النَّبيَّ ﷺ كتَبَ إلى جُهينةَ:«إنِّي كُنْتُ رخَّصتُ لكم في جُلودِ المَيتةِ، فإذا جاءَكم كِتابي هذا فلا تَنتَفِعوا من المَيتةِ بإهابٍ ولا عَصبٍ، أتانا كِتابُ رَسولِ اللهِ ﷺ قبلَ مَوتِه بشَهرٍ أو شَهرَينِ»(١).
وهذا الحَديثُ ناسِخٌ لمَا قبلَه؛ لأنَّه في آخِرِ عُمرِ النَّبيِّ ﷺ، ولَفظُه دالٌّ على سَبقِ التَّرخيصِ، وأنَّه مُتأخِّرٌ عنه لقَولِه:«كُنْتُ رخَّصتُ لكم» وإنَّما يُؤخذُ بالآخِرِ فالآخِرِ من أمرِ رَسولِ اللهِ ﷺ(٢).
واحتُجَّ لمَن قالَ بطَهارةِ الجُلودِ كلِّها بقَولِ النَّبيِّ ﷺ:«إذا دُبغَ الإِهابُ فقد طَهُرَ»(٣)، وقد مَرَّ النَّبيُّ ﷺ على شاةٍ مَيتةٍ أُعطِيَتْها مَولاةٌ لمَيمونةَ من الصَّدقةِ، فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ:«هلَّا انتَفَعتُم بجِلدِها» قالوا: إنَّها مَيتةٌ، قالَ:«إنَّما حُرِّمَ أكلُها»، وفي لَفظٍ:«هلَّا أخَذتُم إِهابَها فدَبَغتُموه فانتَفَعتُم به»(٤).
قالوا: ولأنَّه نَجسٌ، أي الجِلدُ، باتِّصالِ الدِّماءِ والرُّطوباتِ به بالمَوتِ، والدَّبغُ يُزيلُ ذلك فيَرتدُّ الجِلدُ إلى ما كانَ عليه في حالِ الحَياةِ (٥).
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٤١٢٧، ٤١٢٨)، وابن ماجه (٣٦١٣)، والترمذي (١٧١٩)، وقالَ: حديثٌ حسنٌ وليسَ العملُ على هذا الحديثِ عندَ أَكثرِ أهلِ العلمِ. (٢) «المغني» (١/ ٩٠). (٣) رواه مسلم (٣٦٦). (٤) رواه البخاري (٥٥٣١)، ومسلم (٣٦٣). (٥) «بدائع الصنائع» (١/ ٢٨٥)، و «المغني» (١/ ٩٠).