قالَ ابنُ رُشدٍ: فأمَّا زَكاةُ الفِطرِ، فإنَّ الجُمهورَ على أنَّها فَرضٌ، وذهَبَ بعضُ المُتأخِّرينَ من أَصحابِ مالِكٍ إلى أنَّها سُنَّةٌ، وبه قالَ أهلُ العِراقِ، وقالَ قَومٌ: هي مَنسوخةٌ بالزَّكاةِ.
وسَببُ اختِلافِهم: تَعارُضُ الآثارِ في ذلك، وذلك أنَّه ثبَتَ في حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ أنَّه قالَ:«فرَضَ رَسولُ اللهِ ﷺ زَكاةَ الفِطرِ على النَّاسِ مِنْ رَمضانَ صاعًا مِنْ تَمرٍ أو صاعًا مِنْ شَعيرٍ على كلِّ حرٍّ أو عبدٍ ذَكرٍ أو أُنثَى مِنْ المُسلِمينَ»(١). وظاهِرُ هذا يَقتَضي الوُجوبَ على مَذهبِ مَنْ يُقلِّدُ الصاحِبَ في فَهمِ الوُجوبِ أو النَّدبِ من أمرِه ﷺ إذا لم يُعَدَّ لنا لَفظُه.
وذهَبَ غيرُهم إلى أنَّها غيرُ داخِلةٍ، واحتَجُّوا في ذلك بما رُويَ عن قَيسِ بنِ سَعدِ بنِ عُبادةَ أنَّه قالَ:«كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَأمرُنا بها قبلَ نُزولِ الزَّكاةِ، فلمَّا نزَلَت آيةُ الزَّكاةِ لَم نُؤمَرْ بها، ولَم نُنْه عنها، ونحن نَفعَلُه»(٣)(٤).
(١) صحيحٌ تَقدَّم. (٢) رواه البخاري (٤٦)، ومسلم (١١). (٣) رواه ابن ماجه (١٨٢٨)، والنسائي (٢٥٠٧)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٢٣٩٤)، والحاكم في «المستدرك» (١٤٩١)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والبيهقي في «الكبرى» (٤/ ١٥٩) (٢). (٤) «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» (١/ ٣٨٣).