وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ حلَفَ على يَمينٍ وهو فيها فاجِرٌ ليقَتطِعَ بها مالَ امرِئٍ مُسلِمٍ لَقيَ اللهَ وهو عليه غَضبانُ»، قالَ: فقالَ الأشعَثُ بنُ قَيسٍ: فِيَّ واللهِ كانَ ذلك، كانَ بَيني وبينَ رَجلٍ من اليَهودِ أرضٌ، فجحَدَني، فقَدَّمتُه إلى النَّبيِّ ﷺ، فقالَ لي رَسولُ اللهِ ﷺ:«ألكَ بيِّنةٌ»، قالَ: قُلتُ: لا، قالَ: فقالَ لليَهوديِّ: «احلِفْ»، قالَ: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إذًا يَحلِفُ ويَذهَبُ بمالي، قالَ: فأنزَلَ اللهُ تَعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٧)﴾ [آل عمران: ٧٧](٢).
قالَ أَبو بَكرِ بنُ المُنذِرِ ﵀: أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ البَيِّنةَ على المُدَّعي واليَمينَ على المُدَّعَى عليه، ومعنى قَولِه:«البَيِّنةُ على المُدَّعِي» أي يَستحِقُّ بها، إلا أنَّها واجِبةٌ عليه، يُؤخَذُ بها، ومَعنى قَولِه:«اليَمينُ على المُدَّعَى عليه» أي: يَبرَأُ بها، إلا أنَّها واجِبةٌ يُؤخَذُ بها على كلِّ حالٍ، كما زعَمَ بعضُ مَنْ أوجَبَ على مَنْ لم يَحلِفْ -إذا وجَبَت عليه اليَمينُ- الحَبسَ.
وفي هذا الخبَرِ من البَيانِ أنَّ الحاكِمَ يَبدأُ فيَسألُ المُدَّعيَ البَيِّنةَ.
وفي قَولِه للمُدَّعي:«ليس لك منه إلا ذلك» دَليلٌ على أنَّ البَراءةَ تَقعُ له مِنْ دَعوى صاحِبِه إذا حلَفَ.