وقالَ الإمامُ النَّوويُّ ﵀: لا تُقطعُ يَدٌ أو رِجلٌ صَحيحةٌ بشلَّاءَ وإنْ رَضيَ به الجاني، وإنما الواجِبُ في الطرَفِ الأشَلِّ الحُكومةُ، كما لا يُقتلُ الحُرُّ بالعَبدِ والمُسلمُ بالذِّميِّ وإنْ رَضيَ الجاني، فلو خالَفَ المَجنيُّ عليهِ وقطَعَ الصَّحيحةَ لم تَقعْ قِصاصًا، بل عليهِ نِصفُ الديَةِ، ولو سَرَى فعَليهِ القصاصُ في النفسِ، فإنْ كانَ قطَعَ بإذنِ الجاني فلا قِصاصَ عندَ السِّرايةِ؛ لأنه بإذنٍ، ثم يُنظَرُ إنْ قالَ الجاني:«اقطَعْ يَدِي» وأطلَقَ جُعلَ المَجنيُّ عليهِ مُستوفِيًا لحَقِّه ولم يَلزمْه شيءٌ، وإنْ قالَ:«اقطَعْها عِوضًا عن يَدِكَ، أو قِصاصًا» فوَجهانِ:
أحَدُهما وبه قطَعَ البَغويُّ: أنَّ على المَجنيِّ عليهِ نِصفُ الديةِ وعلى الجاني الحُكومةُ؛ لأنه لم يَبذلْها مجَّانًا.
والثاني: لا شيءَ على المَجنيِّ عليهِ وكأنَّ الجاني أدَّى الجَيدَ عن الرَّديءِ وقبَضَه المُستحقُّ (٢).
لا نَعلمُ أحَدًا مِنْ أهلِ العِلمِ قالَ بوُجوبِ قَطعِ يَدٍ أو رِجلٍ أو لِسانٍ صَحيحٍ بأشَلٍّ، إلا ما حُكيَ عن داودَ أنه أوجَبَ ذلكَ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٌ منهُما مُسمًّى باسمِ صاحبِه فيُؤخذُ به كالأذُنينِ.