«هذا كِتابُكَ الذي بطَلاقِ ابنَتِي» ألَّا شيءَ له، فقيلَ له: أنه ليسَ يُخاصِمُه أحَدٌ، إنما هو أمرٌ فيما بينَهُ وبينَ اللهِ، قالَ: إنْ صَحَّ هذا فلا أرَى عليه طلاقًا، قيلَ: أرَأيتَ أنْ قامَ أبوها بالكِتابِ وقالَ: «لو كانَ دَعَا قَومًا فأشهَدَهم على هذا» وقالَ: «إنَّما سَألَتْني أنْ أكتُبَ هذا الكِتابَ كذا، وأنا أكتُبُ به، لذلكَ لا أُريدُ بهِ طلاقًا»، قيلَ له: أرَأيتَ إنْ لم يَكنْ أشهَدَهم وجاءَ أبوها بالكِتابِ، فجاءَتْ هي وهو يَقتصُّ هذه القصَّةَ، أتَرى أنْ يُستحلَفَ؟ قالَ: لا أدري، وما الناسُ كلُّهم عندِي سواءٌ في مثلِ هذا الاختِلافِ، أما الرَّجلُ المَأمونُ فكنتُ أرَى في رأيي أنْ يُقبَلَ ذلكَ منه ويُصدَّقَ فيه، قيلَ له: أرَأيتَ لو أنَّ المَرأةَ قالَتْ: «أردْتُ خَديعةً بذلكَ وأردْتُ الطلاقَ» فأنكَرَ ذلك؟ قالَ: إنْ عُلِمَ ذلكَ مِنْ شأنِهما لم أرَ عليه حِنثًا، وإنْ لم يَكنْ إلا قولُه وقد ظهَرَ كِتابُه بطلاقِها وثبَتَ ذلك عليه رَأيتُ أنْ يُطلَّقَ عليه، قيلَ له: أيَّ الطلاقِ؟ قالَ: يَنوِي ويكونُ واحدةً.
قالَ مُحمدُ بنُ رُشدٍ: في ألفاظِ هذهِ المَسألةِ إشكالٌ، وفي ظاهِرِ كَلامِه فيها اضطِرابٌ واحتِمالٌ، والذي يَتحصَّلُ منه أنه إنْ صَحَّ الوجهُ الذي ذكَرَه في كتابِه إلى أبِي زوْجتِه أنه طلَّقَها يُريدُ ببيَّنةٍ تَشهدُ على ذلكَ، أو جاءَ الزوجُ مُستفتِيًا وحْدَه فلا طلاقَ عليه، وإنْ جاءُوا كلُّهم معًا يَذكرُ الزوجُ والزوجةُ القِصةَ على وَجهِها، ويَقولُ الأبُ:«أنا لا أدري صِدقَهُما مِنْ كَذبِهما» صُدِّقَ مع يَمينِه إنْ كانَ مَأمونًا، وإنْ قامَ الأبُ بالكِتابِ في مَغِيبِ الزوجِ فلمَّا