وعمدتهم في التفريق بين الاختيار والرضا بأن معانيهما اللغوية تدل على وجود فرق بينهما:
فالاختيار: هو ترجيح شيء على آخر (١).
والرضا: هو الرغبة بالفعل والارتياح إليه، والانشراح النفسي به (٢)، ولا تلازم بينهما، فقد يختار المرء أمرًا لا يرضاه، ولا يحبه، ولكنه لا يرضى شيئًا إلا وهو يحبه، قال تعالى:{وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ}[البقرة: ٢١٦].
ذهب الجمهور إلى أن الرضا والاختيار لفظان مترادفان في الاصطلاح، فإذا قلنا: أن يكون العاقد مختارًا، بمنزلة أن أقول: أن يكون العاقد راضيًا بالعقد، وأن الاختيار لا يجتمع مع الإكراه. فمن أكره على فعل شيء لم يكن مختارًا البتة.
قال السيوطي:«فالمراد بالاختيار قصده ذلك الفعل وميله ورضاه، وأنه لم يفعله على وجه الإكراه»(٣).
(١) الاختيار في اللغة: الاصطفاء والانتقاء، وتفضيل الشيء على غيره، قال تعالى: {ولقد اخترناهم على علم على العالمين [الدخان: ٣٢]. وقال تعالى: {واختار موسى قومه سبعين رجلًا لميقاتنا} [الأعراف: ١٥٥]. (٢) الرضا: مصدر رضى يرضى رضا ورضوانًا، ويستعمل الرضا ومشتقاته متعديًا بنفسه، وبالباء وبعلى، فيقال: رضيته، وارتضيته، ورضيت عنه، وعليه، وبه. وللرضا معان كثيرة، منها الاختيار، قال تعالى: {ورضيت لكم الإسلام دينًا} [المائدة:٣]. ومنها طيب النفس، قال تعالى: {راضية مرضية} [الفجر: ٢٨]. ومنها الموافقة، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها ... ». (٣) فتاوى السيوطي: مخطوطة الأزهر برقم (١٣١) فقه شافعي ورقة ١٤٣، نقلًا من حاشية كتاب مبدأ الرضا في العقود للدكتور القره داغي (١/ ٢٠٨).