للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرح

لقد جاءت الآيات والأحاديث مبينة تسيير العبد من قبل الرب، وأن لا فعل يفعله إلا بإذن المولى جل في علاه، ففي حديث الكرب الذي رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : «ما أصاب عبدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك» (١).

فقد بين أن كل قضائه في عبده عدل؛ ولهذا يقال: كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل. ويقال: أطعتك بفضلك والمنة لك، وعصيتك بعلمك - أو بعدلك - والحجة لك، فأسألك بوجوب حجتك علي وانقطاع حجتي إلا ما غفرت لي.

قال القاضي عبد الوهاب رحمه الله تعالى: وهذا الذي قاله - المصنف - لا خلاف فيه بين المسلمين وسلف الدين، أن الله يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، وأنه لا يهتدي أحد إلا بهدايته، ولا يضل إلا بإضلاله، وزعمت القدرية أن الله تعالى لا يضل أحدا، وأنه قد هدى الخلق كلهم، فمنهم من اهتدى، ومنهم من لم يهتد وضل باختياره وعدوله عن طرق الهداية، وسوء نظره لنفسه، لا أن الله أضله؛ قالوا لأن الله تعالى لو فعل ذلك لكان جائرا في حكمه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا اهـ (٢).

ولو كان أحد بيده هداية التوفيق من البشر لهدى نبينا عمه الذي مات على الكفر وقد حاول النبي أن ينقذه فقال له الرب جل وعلا: ﴿إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء﴾ [العنكبوت: ٥٦]، اللهم اهدنا فيمن هديت، فالهداية والضلال بيد ذي العزة والجلال، وقد قال الله على لسان أوليائه الذين أنعم عليهم في دار كرامته: ﴿وقالوا الحمد لله الذي هدينا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدينا الله﴾ [الأعراف: ٤٣].


(١) أخرجه أحمد (١/ ٣٩١) (٣٧١٢) و (١/ ٤٥٢) (٤٣١٨).
(٢) شرح عقيدة الرسالة للقاضي (٢٢٠)، ط: دار إحياء التراث العربي.

<<  <  ج: ص:  >  >>