لما كان كثير من الناس يتوهم أن الاستنجاء من جملة الوضوء المأمور به دفع ذلك التوهم بقوله:
(وليس الاستنجاء مما يجب)؛ أي: لا يجب ولا يسن ولا يستحب (أن يوصل به الوضوء)، بل هو عبادة منفردة يجوز تفرقته عن الوضوء في الزمان والمكان، كما فعل النبي ﷺ في كثير من أحيانه، فمن ذلك حديث سعيد بن حويرث ﵁ يقول: سمعت ابن عباس ﵄ يقول: كنا عند رسول الله ﷺ، فخرج من الغائط فأتي بطعامه فقيل له: ألا تتوضأ؟ فقال:«ما أصلي فأتوضأ»(١)، وهذا بين أنه (كان ﵇ لا يتوضأ وضوء الصلاة إلا للصلاة، وأنه لا يتوضأ كلما بال وضوء الصلاة) اه (٢)، ولا يعد (في سنن الوضوء، ولا في فرائضه)، ولا في مستحباته، وإنما المقصود منه إنقاء المحل خاصة، لحديث عائشة ﵂ قالت: بال رسول الله ﷺ فقام عمر خلفه بكوز من ماء فقال: «ما هذا يا عمر» فقال هذا ماء تتوضأ به قال: «ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ، ولو فعلت لكانت سنة»(٣)، ولكن يستحب تقديمه على الوضوء، فإذا أخره فليحذر من مس ذكره ومن خروج حدث (٤).
(وهو من باب إيجاب)؛ أي: أن الاستنجاء من باب حتمية (إزالة النجاسة) فيجب أن يكون بالماء أو بالاستجمار بالأحجار لئلا يصلي بالنجاسة وهي على جسده. ومما يدل على أنه من باب إزالة النجاسة أنه يجزئ فعله بغير نية؛ وذلك لأن طهارة الخبث من باب التروك ولا يشترط فيها النية، وإنما يجب زوالها حتى ولو لم يزلها من تعلقت به كأن زالت بمطر أو تراب، أو غسلها آخر، فالمطلوب زوالها.
(١) رواه مسلم (١/ ٢٨٣) رقم (٣٧٤). (٢) التمهيد لابن عبد البر (١٣/ ١٦٠). (٣) رواه أحمد (٢٤٦٤٣)، وأبو داود (٤٢)، وابن ماجه (٣٥١) بإسناد حسن. (٤) تنوير المقالة (١/ ٤٥٨).