ومن الأحاديث الدالة على تقدير الحق جل وعلا لأفعال العباد: عن ابن عباس ﵁ أن النبي ﷺ كان يدعو: «رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى إلي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكارا، لك ذكارا، لك رهابا، لك مطواعا، إليك مخبتا، لك أواها منيبا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي»(١).
[مناظرة القدرية وإفحامهم]
ذكر القاضي عبد الوهاب أن أهل النقل أوردوا أثرا عن ابن عباس ﵁ أنه جاءه رجل فقال: أنت تزعم أن الله أراد أن يعصى؟ قال: نعم، فقال: ما أراد أن يعصى، فقال ابن عباس: ويحك فما أراد الله؟ قال: أراد أن يطاع ولا يعصى، قال ابن عباس: ويحك فمن حال بين الله وبين ما أراد؟ فكأنما ألقمه حجرا.
قال: ومثله قول غيلان لربيعة: «أترى الله يريد أن يعصى؟» فقال ربيعة: «أترى الله يعصى قسرا؟ فكأنما ألقمه حجرا»(٢). وقال ابن مسعود، وعمر بن عبد العزيز:«لو شاء الله أن لا يعصى؛ ما خلق إبليس»(٣).
وقد أورد شيخ مشايخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله تعالى - حكايتين توضحان فساد مذهب المعتزلة في باب القضاء والقدر، فقال: «ولما تناظر أبو إسحاق الإسفرائيني مع عبد الجبار المعتزلي، قال عبد الجبار: سبحان من تنزه عن الفحشاء، وقصده أن المعاصي كالسرقة والزنا بمشيئة العبد دون مشيئة الله، لأن الله أعلى وأجل من أن يشاء القبائح في زعمهم، فقال أبو إسحاق: كلمة حق أريد بها باطل، ثم قال: سبحان من
(١) أخرجه أحمد (١٩٩٧)، والترمذي (٣٥٥١) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (٢) القدر للفريابي (١/ ٢٧٨)، وانظر: شرح القاضي عبد الوهاب للرسالة. (٣) شرح القاضي عبد الوهاب للرسالة (٢٢٦ - ٢٢٧).