شاء لكل موجود أو معدوم في السموات أو في الأرض، فما وجد موجود إلا بمشيئته، ولا عدم معدوم إلا بمشيئته سبحانه، وهذا ظاهر في القرآن الكريم، وقد أثبت الله تعالى مشيئته في فعله، ومشيئته في فعل العباد؛ فقال الله تعالى: ﴿لمن شاء منكم أن يستقيم (٢٨) وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين (٢٩)﴾ [التكوير: ٢٨، ٢٩].
المرتبة الرابعة مرتبة الخلق: أي: أن نؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء فما من موجود في السموات والأرض إلا الله خلقه، حتى الموت يخلقه الله ﵎، وإن كان هو عدم الحياة، يقول تعالى: ﴿الذي خلق الموت والحيوة ليبلوكم أيكم أحسن عملا﴾ [الملك: ٢]، والله خلقنا وخلق أفعالنا، وقد يشكل على المرء كيف يصح أن نقول في فعلنا وقولنا الاختياري: إنه مخلوق لله ﷿، نقول: نعم، يصح أن نقول ذلك، لأن فعلنا وقولنا ناتج عن أمرين، أحدهما: القدرة، والثاني: الإرادة، فإذا كان فعل العبد ناتجا عن إرادته وقدرته، فإن الذي خلق هذه الإرادة، وجعل قلب الإنسان قابلا لهذه الإرادة هو الله ﷿، وكذلك أيضا الذي خلق فيه القدرة هو الله ﷿، ويخلق السبب التام الذي يتولد عنه المسبب، نقول: إن خالق السبب التام خالق للمسبب.
وقد نهى النبي ﷺ عن المراء والجدال في القدر، وحذر من الخوض فيه، لأن القدر هو سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، بل حجبه الله عن الخلق كلهم، فالخائض فيه مدع للاطلاع على أمر اختص الله تعالى به، فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: خرج رسول الله ﷺ على أصحابه ذات يوم وهم يختصمون في القدر، هذا ينزع بآية وهذا ينزع بآية، فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال:«أبهذا أمرتم؟ أم بهذا وكلتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ انظروا ما أمرتم به فاتبعوه، وما نهيتم عنه فانتهوا» وفي رواية: «يا قوم بهذا ضلت الأمم قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتاب بعضه ببعض، وإن القرآن لم ينزل لتضربوا بعضه ببعض، ولكن نزل القرآن يصدق بعضه بعضا، ما عرفتم