ثم فرع على قوله أفضل الليل آخره قوله:(فمن أخر تنفله ووتره إلى آخره)؛ أي: الليل (فذلك أفضل له من أول الليل لما تقدم من حديث النزول، ولحديث عمرو بن عبسة ﵁ أنه سمع النبي ﷺ يقول:«أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن» (١)، (إلا من الغالب عليه أن لا ينتبه آخره) بأن كان غالب أحواله النوم إلى الصبح فليقدم وتره مع ما يريد) صلاته (من النوافل أول الليل) احتياطا، والحاصل أن تأخير الوتر مندوب في صورتين وهما أن تكون عادته الانتباه آخر الليل وتستوي حالتاه، وتقديمه مستحب في صورة واحدة وهي أن يكون أغلب أحواله النوم إلى الصبح.
ويتوقف ذلك على العزم والقوة، والتوفيق من الله أولا وأخيرا، فعن ابن عمر ﵄: أن النبي ﷺ قال لأبي بكر: «متى توتر؟»، قال: أوتر من أول الليل، وقال لعمر:«متى توتر؟»، قال: آخر الليل، فقال لأبي بكر:«أخذ هذا بالحزم»، وقال لعمر:«أخذ هذا بالقوة»(٢). (ثم إن شاء) من يغلب عليه عدم الانتباه وقدم وتره أول الليل (إذا استيقظ في آخره) على غير عادته (تنفل) استحبابا ما شاء منها؛ أي من النوافل من قليل أو كثير، ولا يكون تقديمه للوتر مانعا له من ذلك، ومحل ندب التنفل بعد الوتر إذا حدثت له نية التنفل بعد الوتر، وأما من نوى أن يجعل الوتر أثناء نفل فمخالف للسنة، ويستحب لمن أوتر في المسجد وأراد أن يتنفل بعده أن يتربص قليلا، ويكره أن يوقع النفل عقب الوتر من غير فصل، ويكفي الفصل ولو بالمجيء إلى البيت من المسجد بعد الوتر كما في المدونة ويكون تنفله (مثنى مثنى)؛ أي: ركعتين
(١) وأخرجه أيضا الترمذي (٥/ ٥٦٩) رقم (٣٥٧٩)، وقال: حسن صحيح غريب. والحاكم (١/ ٤٥٣) رقم (١١٦٢)، وقال: صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أيضا: ابن خزيمة (٢/ ١٨٢) رقم (١١٤٧)، والبيهقي (٣/ ٤) رقم (٤٤٣٩). قال المناوي (٢/ ٦٩): قال الحاكم على شرط مسلم، وأقره الذهبي، وصححه الترمذي والبغوي. (٢) رواه ابن حبان (٢٤٤٦)، وقال شيخنا شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف.