(ونبهه بآثار صنعته) ومن فضله تعالى على الإنسان أن جعل له عقلا يهتدي به من غفلته، ويهتدي إليه بآثار صنعته في نفسه وفي مخلوقاته فذلك منه تنبيه لعبده ليزداد معرفة به، قال تعالى: ﴿وفي الأرض آيات للموقنين (٢٠) وفي أنفسكم أفلا تبصرون (٢١)﴾ [الذاريات: ٢٠/ ٢١]، وقال سبحانه: ﴿إن في خلق السموات والأرض واختلاف اليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون (١٦٤)﴾ [البقرة: ١٦٤]، وقال: ﴿إن في خلق السموات والأرض واختلاف اليل والنهار لآيات لأولي الألباب (١٩٠) الذين يذكرون الله قيما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (١٩١)﴾ [آل عمران: ١٩٠/ ١٩١]، والكون كتاب منشور يتفكر المتفكرون بالنظر فيه، والتأمل في جميل صنعة الخالق، وبديع حكمته، فيستدلون عليه بخلقه، ويهتدون إليه بإتقان صنعته.
سئل أبو نواس عن ذلك فأنشد:
تأمل في نبات الأرض وانظر … إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات … بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات … بأن الله ليس له شريك
وقال آخرون: من تأمل هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها وما فيها من الكواكب الكبار والصغار المنيرة من السيارة ومن الثوابت، وشاهدها كيف تدور مع الفلك العظيم في كل يوم وليلة دويرة ولها في أنفسها سير يخصها، ونظر إلى البحار الملتفة للأرض من كل جانب، والجبال الموضوعة في الأرض لتقر ويسكن ساكنوها مع اختلاف أشكالها وألوانها كما قال: ﴿ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلمؤا﴾ [فاطر: