وقال مالك رحمه الله تعالى:«المراء في العلم يقسي القلب، ويورث الظعن»، وقال بعض السلف: «إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له باب العمل، وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد الله بعبد شرا أغلق عنه باب العمل وفتح له باب الجدل (١)؛ ولك أن تتصور الجزاء العظيم عند رب كريم لمن ترك المراء والجدال ولو كان محقا فعن حديث أبي أمامة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه»» (٢).
أما إذا كانت المناظرة في الحق؛ وابتغاء معرفة المنهج الصدق، فإنها نعمة، إذ المناظرة الحقة فيها إظهار الحق على الباطل، والراجح على المرجوح فهي مبنية على المناصحة، والحلم، ونشر العلم، قال الإمام أبوبكر الآجري رحمه الله تعالى: بعد أن حذر من الجدل والمراء: فإن قال قائل فما يصنع في علم قد أشكل عليه؟ قيل له: إن كان كذلك وأراد أن يستنبط علم ما أشكل عليه، قصد إلى عالم ممن يعلم أنه يريد بعلمه الله … فذاكره مذاكرة من يطلب الفائدة، وأعلمه أن مناظرتي إياك مناظرة من يطلب الحق، وليست مناظرة مغالب، ثم ألزم نفسه الإنصاف في مناظرته اهـ (٣).
وقال الشافعي رحمه الله تعالى:«ما كلمت أحدا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان، وتكون عليه رعاية من الله وحفظ، وما كلمت أحدا قط إلا ولم أبال بين الله الحق على لساني أو لسانه»(٤)، قلت:«ما أعظم هذا الإمام وما أجدره بأن يكون قدوة لمن بعده، يريد ظهور الحق ولو على حسابه فرضي الله عنه، وما أحوجنا أن نقتدي به». لا كأقوام ينصبون الفخاخ
(١) (م) فضل علم السلف على الخلف لابن رجب الحنبلي (٨٦). (٢) أخرجه أبو داود (٤٨٠٠)، واللفظ له، وابن ماجه، والترمذي، كذا في الترغيب. (٣) أخلاق العلماء (٤١). (٤) الفقيه والتفقه (٢/ ٢٦)، وعنه: آداب طالب العلم (٦٢).