«سقيت رسول الله ﷺ من زمزم فشرب وهو قائم»(١) .. ثم قال: إن ناسا يكرهون الشرب قائما وإن رسول الله ﷺ صنع مثل ما صنعت؛ وذكر مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ﵃ كانوا يشربون قياما (٢)، وعليه جماعة الفقهاء، وقوله: لا بأس إشارة إلى الجواز المستوي الطرفين. قال في «المفهم»: لم يذهب أحد إلى أن النهي فيه للتحريم ولا التفات لابن حزم، وإنما حمل على الكراهة والجمهور على عدمها فمن السلف الخلفاء الأربعة ثم مالك تمسكا بشربه من زمزم قائما وكأنهم رأوه متأخرا عن النهي فإنه في حجة الوداع فهو ناسخ وحقق ذلك فعل خلفائه، بخلاف النهي ويبعد خفاؤه عليهم مع شدة ملازمتهم له، وتشديدهم في الدين، وهذا وإن لم يصلح دليلا للنسخ يصلح لترجيح أحد الحديثين. انتهى (٣).
(ولا ينبغي لمن أكل الكراث أو الثوم أو البصل نيئا) بكسر النون والمد والهمز، ويروى بتشديد الياء (أن يدخل المسجد)[ال] فيه للجنس من حيث وجوده في جميع أفراده، وسواء كان مسجد جمعة أم لا؛ أي: يكره له ذلك، كما في سماع ابن القاسم من مالك، إلا أن غير واحد رجح الحرمة (٤). وحمل ابن عمر كلام المصنف عليه لحديث جابر أن رسول الله ﷺ قال:«من أكل من هذه البقلة - الثوم - وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم»(٥)، وهو في «صحيح البخاري» بلفظ: «من أكل ثوما أو بصلا، فليعتزلنا - أو قال: فليعتزل مسجدنا - وليقعد في بيته»(٦).
قلت: وأشد منهما أذى ونتنا ما ابتلي به كثير من أهل الإسلام من شرب
(١) البخاري (١٥٥٦)، ومسلم (٢٠٢٧). (٢) شرح الزرقاني على الموطأ (٤/ ٣٧٢). (٣) المفهم للقرطبي (٥/ ٢٨٥). (٤) انظر: البيان والتحصيل (١٨/ ٦٠). (٥) مسلم (١٢٨٠). (٦) البخاري (٨١٨، و ٥١٣٦).