قال أبو عمر:«وكذلك السنة في الجراح كلها عند مالك وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي لا يقتص عندهم من جرح عمد، ولا ود جرح خطأ حتى يبرأ، ويعلم ما يؤول إليه، وأجاز الشافعي القصاص قبل البرء إذا سأل ذلك المجروح فإن زاد ذلك وآل إلى ذهاب عضو أو نفس كان فيه الأرش والدية … »(١).
(وما برئ) منها (على غير شين)؛ أي عيب (مما دون الموضحة) وكذا ما دون الجائفة مما لا عقل فيه يسمى (ف) إنه (لا شيء) على الجاني من عقل وأدب وأجرة طبيب مفهوم كلامه أن ما برئ على شين فيه شيء وهو ما تقدم من قوله: وليس فيما دون الموضحة إلا الاجتهاد.
(وفي الجراح القصاص في العمد) لقوله تعالى: ﴿والجروح قصاص﴾ [المائدة: ٤٥]، وهي وإن كانت حكاية عن بني إسرائيل فقد قرر ذلك النبي ﷺ كما في حديث أنس أن الربيع كسرت ثنية جارية فأمر النبي ﷺ بالقصاص وقال:«كتاب الله القصاص»(٢) ولوقائع أخرى متكررة حكم فيها بالقصاص وقد تقدم بعضها إلا في المتالف مثل المأمومة، والجائفة، والمنقلة، والفخذ، والأنثيين، والصلب ونحوه كعظم الصدر (ففي كل ذلك الدية)؛ يعني: أن ما كان من الجراحات التي يغلب فيها الموت سريعا كرض الأنثيين، وكسر عظم الصدر، وعظم الصلب، ففي عمد ذلك الدية؛ أي: عقله المقدر فيه، لما رواه سعيد بن منصور عن عطاء بن أبي رباح:«أن رجلا كسر فخذ رجل فخاصمه إلى عمر بن الخطاب ﵁، فقال: يا أمير المؤمنين أقدني قال: ليس لك القود، إنما لك العقل»(٣).
ولما رواه البيهقي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء من
(١) التمهيد لابن عبد البر (١٧/ ٣٧١). (٢) البخاري (٣/ ٢٧٠) و (٤٤٩٩) و (٦٨٩٤)، وأخرجه مسلم (٣/ ١٣٠٢)، كتاب القسامة: باب إثبات القصاص في الأسنان حديث (٢٤/ ١٦٧٥)، وأبو داود (٤٥٩٥) وغيرهم. (٣) السنن الكبرى للبيهقي (١٦٥٢٣).