شعيرا كله ولما رواه مالك في «الموطأ» حيث قال: «بلغني أن سليمان بن يسار قال: فني علف حمار سعد بن أبي وقاص ﵁ فقال لغلامه: خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرا ولا تأخذ إلا مثله»(١)، وروي أيضا عن نافع عن سليمان بن يسار أنه أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فني علف دابته فقال لغلامه:«خذ من حنطة أهلك طعاما فابتع بها شعيرا ولا تأخذ إلا مثله»، وذكر بلاغا عن ابن معيقيب الدوسي مثل ذلك (٢).
ولما في «صحيح مسلم» عن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال: «بعه ثم اشتر به شعيرا، فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع، فلما جاء معمرا أخبره بذلك فقال له معمر لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده ولا تأخذه إلا مثلا بمثل قال: وكان طعامنا يومئذ الشعير قيل له: فإنه ليس بمثله، قال: إني أخاف أن يضارع (٣)، هذا هو المشهور.
والصحيح كما قال ابن عبد السلام (٤)، وغيره خلافه لقوله ﷺ:«البر بالبر، والشعير بالشعير، مثلا بمثل» ولقوله ﷺ: «لا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد»(٥)، وفي رواية تقدمت قريبا وأمرنا يعني النبي ﷺ: أن نبيع البر بالشعير، والشعير بالبر، يدا بيد كيف شئنا» فهذه صراحة لا تقبل التأويل، وأما حديث سعد بن أبي وقاص ﵁ ومعمر فلا حجة فيهما لأنه لم يصرح فيهما بأنهما جنس واحد، وإنما فعلا ذلك تورعا واحتياطا أو تساهلا وتكرما فلا دليل فيه، ثم لو كان صريحا لما كان فيه دليل أصلا لمعارضته للمرفوع الثابت عن النبي ﷺ ولا معارضة بين مرفوع وموقوف.
(١) الموطأ (٢/ ٦٤٥) البيوع، باب: بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما (١٣٢١). (٢) الموطأ (٢/ ٦٤٦) البيوع، باب: بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما (٣٩١). (٣) أخرجه أحمد (٦/ ٤٠٠)، ومسلم (٤١٦٤). (٤) انظر: التمهيد (١٩/ ١٧٨)، ومواهب الجليل (٤/ ٣٤٧)، والزرقاني (٥/ ٦٣)، وعنهم الغرياني (١٩٥) في المعاملات. (٥) أخرجه أبو داود (٣٣٤٩)، والنسائي (٢/ ٢٢٢)، قال الألباني: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير مسلم بن يسار المكي وهو ثقة عابد.