متعدد عندهم، وقد تكلفت الكتب الكلامية بالرد عليهم» اهـ (١).
وهو سبحانه خلق الإنسان ﴿ويعلم ما توسوس به نفسه﴾؛ أي: ما يختلج في سره وقلبه وضميره، وفي هذا زجر عن المعاصي التي يستخفي بها.
والوسوسة: حديث النفس؛ يقال: وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا (بكسر الواو). والوسواس (بالفتح): اسم، مثل الزلزال.
والوسوسة هي ما يجول في الصدر من الخواطر، والأفكار السيئة والمشغلة للعبد عن ربه، والبعد به عن صراط الله المستقيم، وهي أقسام ودركات، أشنعها ما تقدم معنا في وسوسة الشيطان اللعين في التفكر في شأن الخالق، ومنها ما يتعلق بالعبادات والمعاملات ومخالطة الناس، نعوذ بالله من شر الوسواس الخناس.
(وهو أقرب إليه من حبل الوريد)، وكل هذا الذي أورده المصنف منتزع من قوله تعالى: ﴿ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ [ق: ١٦] قال ابن كثير: قوله تعالى: ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾؛ يعني: الملائكة، أقرب إلى الإنسان من حبل وريده، ومن تأوله على العلم؛ فإنما فر لئلا يلزم حلول، أو اتحاد، وهما منفيان بالإجماع، تعالى الله وتقدس، ولكن اللفظ لا يقتضيه، فإنه لم يقل: وأنا أقرب إليه من حبل الوريد، وإنما قال: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، كما قال في «المحتضر»: ﴿ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون﴾؛ يعني: ملائكته (٢).
(﴿وما تسقط من ورقة﴾ قد فقدت حياتها وأصابها الذبول والفناء فسقطت من علو إلى سفل، ومن حياة إلى اندثار ﴿إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض﴾) قد بزغت ونمت، وانبثقت من الغور إلى السطح، ومن كمون وسكون إلى اندفاع وانطلاق، فأزهرت وأثمرت إلا يعلمها جل في علاه، قال تعالى: ﴿وما
(١) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لشهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي، (عند تفسير قوله تعالى: ﴿فتبارك الله أحسن الخالقين﴾). (٢) تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير (٤/ ٢١٩٠).