للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن لم يتذكره إلا بعد جفاف المغسول آخرا (أعاده فقط)؛ يعني: فعله؛ أي: ثلاثا بنية على الفور من زمن التذكر، بناء على أن الفور واجب مع الذكر والقدرة ساقط مع العجز والنسيان، أما وجوبه مع الذكر والقدرة فتقدم دليله في الطهارة وأما سقوطه مع النسيان فلأن الأصل فيه أنه معفو عنه إلى أن يقوم الدليل على غير ذلك لقوله تعالى: ﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها﴾ [البقرة: ٢٨٦]، ولحديث ابن عباس أن رسول الله قال: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه» (١)، فلو تأخر عن زمن التذكر حتى طال فسد وضوءه، ولو كان ناسيا لأنه لا يعذر بالنسيان الثاني على المعتمد، وهو المشهور.

والقسم الثالث: أشار إليه بقوله: (وإن تعمد ذلك)؛ أي: تعمد ترك شيء من فرائض وضوئه (ابتدأ الوضوء وجوبا إن طال ذلك)؛ أي: ترك الغسل في العضو المغسول والمسح في العضو الممسوح، وهذا مبني على أن الفور واجب وهو الإتيان بالوضوء في زمن واحد من غير تفريق متفاحش مع الذكر والقدرة وهو المشهور، وقيل الفور سنة (٢).

ومفهوم كلامه وهو القسم الرابع: أنه إن تعمد ترك ذلك ولم يطل أعاده وما بعده لأجل الترتيب، فالعمد والنسيان لا فرق بينهما في القرب، ويفترقان في الطول، فالناسي يبني وإن طال بخلاف العامد فإنه لو طال ابتدأ الوضوء، ومثله العاجز في بعض صوره وهي أن يعد من الماء ما يظن أنه يكفيه فيغصب منه أو يراق، أو يتبين عدم كفايته، فهو في هذه الحال كالعامد يبني ما لم يطل لأن عنده نوع تقصير بعدم احتياطه بتكثير الماء.


(١) أخرجه ابن ماجه (١/ ٦٥٩) رقم (٢٠٤٥)، وقال البوصيري (٢/ ١٢٦): هذا إسناد صحيح إن سلم من الانقطاع، والظاهر أنه منقطع، وأخرجه أيضا: البيهقي (٧/ ٣٥٦) رقم (١٤٨٧١)، وقال: جود إسناده بشر بن بكر وهو من الثقات، ورواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي فلم يذكر في إسناده عبيد بن عمير. ورواه ابن حبان في صحيحه (٧٢١٩)، قال شيخنا شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري.
(٢) المذهب (١/ ١٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>