وهو مقتضى الدليل، فإذا وجدنا تلك المصلحة التي لأجلها شرع الحكم في صورة وجب أن يخالف الدليل لها عملا برجحانها فنحن حينئذ كثرنا موافقة الدليل لا مخالفته اهـ (١).
فإن قلنا إن الذين ذهبوا إلى القول بمنع القياس في العبادات، قلنا ثبت عندنا أنهم استعملوه في مواضع أخرى منها:
١ - جواز المسح على الجورب المجلد وهو ليس بخف قطعا لأن الخف يكون سداه ولحمته جميعا من جلد، وهذا ملفق من شيئين جلد وصوف، فلماذا جوزوا هذا ولم يجوزوا الصوف مستقلا (٢)، أو الكتان ونحوهما، مع أن الحكمة تقتضي المساواة في الحكم، لأن الرخصة التي جاءت لرفع المشقة عن المتوضئ بجواز المسح على الخفين غير منتفية في الجوربين.
أولا: أن الشرع لم يفرق في الإحرام بين بياض الثوب وسواده مع العلم أن النبي ﷺ وأصحابه قد أحرموا في البياض، ولو أحرم محرم في السواد ما كان مخالفا لواجبات الإحرام.
ثانيا: أن الغاية المرخص فيها من المسح على الجلد لطول بقائه وقوته لا لشيء آخر.
ثالثا: أن الحاجة إلى المسح سواء فيهما فلا فرق مؤثر يلغي جوازه في ما سوى الجلد.
رابعا: إن الفرق طردي عديم التأثير.
٢ - استعمل المالكية القياس في التيمم على الثلج وهو ليس من أجزائها (٣)، فلماذا أرخصوا فيه ولم يرخصوا في المسح على الجوربين؟ مع أنهما في رفع الحدث معا.
(١) شرح تنقيح الفصول (١/ ٤١٦)، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، الناشر: شركة الطباعة الفنية المتحدة، الطبعة: الأولى، ١٣٩٣ هـ/ ١٩٧٣ م. (٢) مع أن العمل به ثابت عن بعض الصحابة كأنس ﵁. (٣) المدونة (١/ ١٤٨). كما في رواية علي بن زياد، وانظر: التاج والإكليل (١/ ٥١٥).