الوضوء احتسابا)؛ أي: خالصا (لله تعالى) لا لرياء ولا لسمعة، (لما أمره به)؛ أي: لأجل ما أمره به من الإخلاص المستفاد من قوله تعالى: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ [البينة: ٥]، ولحديث عمر ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنما الأعمال بالنيات - وفي رواية بالنية - وإنما لكل امرئ ما نوى .. »(١) الحديث. وكثير ما يغفل البعض عن الإخلاص ويشتغل بالنية دونه، وهما وإن كانا أمران واجبان إلا أن بينهما خصوصا وعموما، فالنية لتمييز العبادات بعضها من بعض، والإخلاص أن يقصد إفراد المعبود بالعبادة من غير نطق باللسان فإن مدار النية القلب.
ومن شرطها أن تكون مقارنة لأول واجب، وهو غسل الوجه في الوضوء، فإن تقدمت عليه بكثير لم تجز اتفاقا؛ وفي تقدمها بيسير قولان مشهوران أشهرهما الإجزاء. واتفقوا على أنه إذا نوى بعد غسل الوجه لا يجزئه، والأصل في النية أن تكون مستصحبة فإن حصل ذهول عنها اغتفر.
(يرجو تقبله وثوابه وتطهيره من الذنوب به)؛ أي: إذا عمل عمل الوضوء خالصا قاصدا به امتثال ما أمر الله به، واثقا من نفسه بأن الفعل صادر عن طيب نفس، فينبغي له أن يطمع في تقبله وتطهيره من الذنوب به لما في حديث أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال:«إذا توضأ العبد المسلم، أو المؤمن، فغسل وجهه، خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه، خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه، خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيا من الذنوب»(٢).
قال عياض: «مناجاة الله إخلاص القلب، وتفريغ السر لذكره وتحميده وتلاوة كتابه في الصلاة ومساررة المخاطب تكون على وجه يختص به دون
(١) تقدم تخريجه. (٢) مالك في الموطأ (٦١)، ومسلم (٦٠٠).