وأما مقابر الكفار فكره ابن حبيب الصلاة فيها، لأنها حفرة من النار، لكن من صلى فيها وأمن من النجاسة فلا تفسد صلاته، وإن لم يأمن كان مصليا على نجاسة. والذي في الحديث إطلاق المقبرة من غير إضافة، قال ابن عمر: والإضافة من تفسير الراسخين وبيان المتفقهين (١)؛ وقال ابن عبد البر: حديث «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» ناسخ لما عارضه، وقد ثبت أنه ﷺ بنى المسجد في مقابر المشركين (٢).
(وكنائسهم) جمع كنيسة بفتح الكاف وكسر النون موضع تعبدهم، وتكره لما فيها من التماثيل، وكرهها عمر بن الخطاب ﵁ لكونها بيوتا متخذة للشرك والكفر بالله (٣).
وكره الإمام مالك الصلاة فيها لنجاستها من أقدامهم؛ أي: الشأن فيها ذلك لا أنها محققة، وإلا كانت الصلاة فيها حراما مع بطلانها، والكراهة حيث صلى فيها اختيارا لا إن اضطر لذلك، وإلا فلا كراهة لا فرق بين دارسة أو عامرة.
قال التتائي: زاد علماؤنا البقعة المعوجة التي لا يتهيأ الجلوس عليها والبيت الذي فيه تصاوير، والصلاة إلى النائم (قلت: خشية تخبطه أو خروج ما يكره ان يسمعه المستيقظ منه)، وإلى حلق الناس، وإلى وجه الناظر إليه، وإلى وجه امرأة (٤). وقال القرطبي: وقد زاد علماؤنا: الدار المغصوبة والكنيسة والبيعة والبيت الذي فيه تماثيل، والأرض المغصوبة أو موضعا تستقبل فيه نائما أو وجه رجل أو جدارا عليه نجاسة. قال ابن العربي: ومن هذه المواضع ما منع لحق الغير، ومنه ما منع لحق الله تعالى، ومنه ما منع لأجل النجاسة المحققة أو لغلبتها، فما منع لأجل النجاسة إن فرش فيه ثوب
(١) تنوير المقالة (١/ ٤٤٧) وقال ابن عبد البر: حديث «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» ناسخ لما عارضه، وقد ثبت أنه ﷺ بنى المسجد في مقابر المشركين. (٢) شرح زروق (١/ ١٢٨). (٣) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (١/ ٢٢٥). (٤) تنوير المقالة (١/ ٤٤٩).