للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا عيش الآخرة، (و) استعن عليها أيضا (بالفكرة فيما بعده) لأن الموت أشد مما قبله وما بعده أشد منه، فعن هانئ مولى عثمان بن عفان قال: كان عثمان إذا وقف على قبر يبكي حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتذكر القبر فتبكي؟ فقال: إني سمعت رسول الله يقول: «القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر وإن لم ينج منه فما بعده أشد» قال: وسمعت رسول الله يقول: «ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه» (١)، (و) استعن عليها أيضا بالفكرة (في نعمة ربك عليك) لأنك إذا تفكرت في نعمة ربك عليك استحييت أن تبارزه بالمعاصي، (و) تفكر أيضا (في إمهاله لك) وأنت تعصيه (وأخذه لغيرك) من الأمم الماضية (بذنبه) في الحال، (و) وتفكر (في) ما تقدم من (سالف ذنبك) وخف الأخذ به ولا تأمن مكر الله قال تعالى: ﴿أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون﴾ [الأعراف: ٩٩]، (و) تفكر أيضا في (عاقبة أمرك) إذ لا تدري بماذا يختم الله لك وهي التي كان يهتم لها الصالحون، وتنفطر لها قلوب المخبتين قال ابن القيم رحمه الله تعالى (٢): وثم أمر أخوف من ذلك وأدهى وأمر وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله تعالى، فربما تعذر عليه النطق بالشهادة كما شاهد الناس كثيرا من المحتضرين أصابهم ذلك حتى قيل لبعضهم: قل لا إله إلا الله، فقال: آه آه لا أستطيع أن أقولها؛ وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فقال: شاه رخ غلبتك (لعب الشطرنج) ثم قضى.

فمن يا ترى يسلم عند ذلك فهناك ﴿يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء﴾ [إبراهيم: ٢٧] فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره واتبع هواه، وكان أمره فرطا:


(١) الترمذي (٢٣٠٨)، وقال: هذا حديث حسن غريب، وأخرجه ابن ماجه (٤٢٦٧).
(٢) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم (٦٢) دار الكتب العلمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>