(الحمد لله الذي ابتدأ الإنسان بنعمته) معنى الحمد كما قال العلماء: هو الثناء بالجميل الاختياري على وجه التبجيل والتعظيم للمحمود بالكمال محبة وتعظيما، فإن وصفه بالكمال لا محبة ولا تعظيما، ولكن خوفا ورهبة ذلك مدحا لا حمدا، فله الحمد على ما أنعم به علينا من نعمه الظاهرة سمي والباطنة، ومنها إيجادنا وإمدادنا (١)، حيث أوجدنا من عدم، وأمدنا بسائر النعم، ولولا إنعام الله علينا بالإيجاد لما وجدنا، ولولا نعمته علينا بإمداد النعم لما بقينا فهو أهل الفضل والكرم قال تعالى: ﴿ما لكم لا ترجون لله وقارا﴾ ﴿وقد خلقكم أطوارا﴾ ﴿ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا﴾ ﴿وجعل القمر فيهن﴾ ﴿نورا وجعل الشمس سراجا﴾ ﴿والله أنبتكم من الأرض نباتا﴾ ﴿ثم يعيدكم فيها ويخرجكم﴾ ﴿إخراجا﴾ ﴿والله جعل لكم الأرض بساطا﴾ ﴿لتسلكوا منها سبلا فجاجا﴾ [نوح: - ١٣ ٢٠]، وقال سبحانه: ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم﴾ ﴿من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا﴾ [الإسراء: ٧٠].
(وصوره في الأرحام بحكمته) قال تعالى: ﴿هو الذي يصوركم في الأرحام﴾ ﴿كيف يشاء﴾ [آل عمران: ٦]، التصوير التخطيط والتشكيل حيث صور الله ﵎ الإنسان في أحسن صورة وأتم خلق عبر مراحل خلقية متدرجة في رحم أمه، أدهشت العقول، وحيرت الألباب تفكرا في جميل الصنعة، ولطيف الحكمة، حيث يمر بها الجنين من النطفة، إلى النطفة الأمشاج (٢)، إلى العلقة
(١) انظر: إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة (١٨١)، ط: دار الخير، ١٤٢٦ هـ/ ٢٠٠٥ م، وشرح زروق على الرسالة (١/ ١٤). (٢) والنطفة الأمشاج هي المختلطة من خلايا التكاثر وهي ثلاثة وعشرون صبغيا في الزوج، وثلاثة وعشرون في الزوجة، فإذا التقت النطفتان في الرحم واتحدتا بمشيئة الله تعالى تكونت النطفة الأمشاج وتكامل عدد الصبغيات الموجودة في الإنسان وهي ستة وأربعون صبغيا في نواة خلاياه الجسدية، فيأتي الولد حاملا من أبويه أخلاطا من الشبه والاختلاف مع الوالدين. ولذلك يروى عن النبي ﷺ أنه قال: «إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله تعالى كل نسب بينها وبين آدم» أخرجه الطبري في =