قال ابن كثير رحمه الله تعالى:«والحوض في العرصات، قبل الصراط، لأنه يختلج عنه ويمنع منه أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، ومثل هؤلاء لا يجازون الصراط، كما سيرد من طرق متعددة، وقد جاء مصرحا به أنه في العرصات».
وسيرده المؤمنون المتبعون لهدي خير البرية، وسيذاد عنه أقوام بدلوا وغيروا دين رب العالمين، وحاربوا سنة سيد الأولين والآخرين، فالويل لمن حيل بينه وبينه، وهنيئا لمن كانت له شربة منه، اللهم لا تحرمنا بسبب ذنوبنا ورود حوض المصطفى ﷺ. فقد أخرج مسلم (١) بسنده عن أنس بن مالك ﵁ أن النبي ﷺ قال: «ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني، فلأقولن: أي رب أصيحابي، أصيحابي، فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». قال النووي رحمه الله تعالى:(هذا مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال: أحدها: أن المراد به المنافقون والمرتدون، فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل فيناديهم النبي ﷺ للسيماء التي عليهم، فيقال: ليس هؤلاء ما وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك، أي: لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم).
والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي ﷺ ثم ارتد بعده فيناديهم النبي ﷺ وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء، لما كان يعرفه ﷺ في حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدوا بعدك. والثالث: أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام. وعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون بالنار، بل يجوز أن يذادوا عقوبة لهم، ثم يرحمهم الله ﷾ فيدخلهم الجنة بغير عذاب.
قال أصحاب هذا القول:(ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل، ويحتمل أن يكون كانوا في زمن النبي ﷺ وبعده لكن عرفهم بالسيما)(٢).
(١) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا ﷺ (٤/ ١٨٠٠). (٢) صحيح مسلم بشرح النووي (٣/ ١٣٦ - ١٣٧).