وقد يعرض له الوجوب العيني كما إذا انفرد إنسان بشروطه، وخاف ضياع الحق على أربابه أو نفسه إن لم يتول القضاء، وقد تعرض له الحرمة ككونه جاهلا أو قاصدا به تحصيل الدنيا، أو جائرا، والحكم بالعدل من أفضل أعمال البر، والجور في الأحكام من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، قال تعالى: ﴿وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا﴾ [الجن: ١٥].
ومن شروطه الاجتهاد، فلا تصح ولاية مقلد مع وجود مجتهد.
وبدأ المصنف بحديث صحيح فقال:(والبينة على المدعي واليمين على من أنكر) كما قال النبي ﷺ(٢)، فعن ابن أبي مليكة قال: كتب إلي ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: «لو أن الناس أعطوا بدعواهم ادعى ناس من الناس دماء ناس وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه». - وفي رواية:«كتبت إلى ابن عباس فكتب إلي أن النبي ﷺ قضى أن اليمين على المدعى عليه»(٣). ومن حديثه أيضا بلفظ:«لكن اليمين على المدعى عليه»؛ قال في «فتح الباري»: اتفقوا على أنها لا تجب لمجرد دعوى الأولياء حتى تقرن بها شبهة يغلب على الظن الحكم بها (٤). قال بعض الشيوخ: المدعي هو الذي يقول: كان، والمدعى عليه هو الذي يقول: لم يكن.
وجعلت البينة على المدعي لأن جانبه أضعف من أجل أنه يريد أن يثبت، وجعلت اليمين على من أنكر لأنه أقوى جانبا من أجل أنه يدعي الأصل إذ الأصل براءة الذمة.
(١) الثمر الداني (٦٠٤)، وحاشية العدوي (٢/ ٤٣٩)، ومواهب الجليل (٨/ ٦٤). (٢) السنن الكبرى للبيهقي (٢١٧٣٣). قال الحافظ ابن عبد البر: وهذا الحديث وإن كان في إسناده لين فإن الآثار المتواترة في حديث هذا الباب تعضده التمهيد (٢٣/ ٢٠٤). (٣) البخاري (٣/ ١٨٧) (٢٥١٤)، ومسلم (٥/ ١٢٨) (٤٤٩٠)، وأبو داود (٣٦١٩)، والترمذي (١٣٤٢). (٤) فتح الباري (١٢/ ٢٠١).