كذا، فكيف تصنع بقوله تعالى: ﴿ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه﴾ [الأعراف: ١٤٣] فبهت المعتزلي! وكم من دليل في الكتاب والسنة على تكلم الله تعالى لأهل الجنة وغيرهم (١).
قوله:(وتجلى للجبل فصار دكا من جلاله)؛ أي: لما اطلع الرب للجبل، جعل الجبل دكا من عظمة الباري سبحانه؛ أي: فصار مستويا بالأرض ﴿وخر موسى صعقا﴾؛ أي: مغشيا عليه (٢).
وقال القرطبي:«وتجلى معناه ظهر، من قولك: جلوت العروس؛ أي: أبرزتها»(٣). قال تعالى: ﴿ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه، قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه، فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين﴾ [الأعراف: ١٤٣].
لقد طلب موسى له من ربه ما يعتقد أنه ممكن وإلا لكان معتديا في السؤال، فاستجاب الله لطلبه، لأنه في حيز الممكن كما يشاء الرب جل وعلا، وجعل لذلك علامة إن تحققت أمامه فإنه سيراه في الدنيا وإلا فإنه لا يطيق الرؤية، فتجلى للجبل فاندك الجبل وساخ في الأرض ولم يتحمل، فصعق موسى لله من ذلك وعلم أنه غير مهية في هذه الحياة لرؤية الرب جل وعلا، وعدم رؤيته في الدنيا بقوله: ﴿لن تراني﴾ ليس نفيا للرؤية في الآخرة كما فهمه المعتزلة وبعض أهل البدع، وأنكروا الأحاديث الصحيحة الصريحة المتواترة، والآيات الفصيحة المتكاثرة التي أخبرت عن رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة وفي جنات النعيم (٤)؛ قال القرطبي: قال علي بن مهدي الطبري: «لو كان سؤال موسى مستحيلا ما أقدم عليه مع معرفته بالله، كما لم يجز أن
(١) والقصة نسبها أيضا ابن كثير لأبي بكر بن عياش المقرئ (١/ ٦٥٩)، وانظر: شرح العقيدة الطحاوية لأبي العز الحنفي (١٣١ - ١٣٢). (٢) تفسير الطبري (١٣/ ٩٧). (٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٧/ ٢٧٨). (٤) وسيأتي الكلام عن رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة.