كان مقلدا غيره عدلا عارفا، أو محرابا، وكان بغير مكة والمدينة (١)، واجتهد في جهة غلبت على ظنه لما قام عنده من الأمارات فصلى إليها، ثم تبين له بعد الفراغ منها أنه (أخطأ القبلة)؛ أي جهة الكعبة باستدبارها أو الانحراف عنها انحرافا شديدا في غير قتال جائز (أعاد) ما صلى ما دام في الوقت المختار استحبابا (٢).
هذا حكم من كان بغير مكة والمدينة، وكان عنده الأدلة المنصوبة على القبلة (٣)، واجتهد وأخطأ، لحديث عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه ﵁ قال: كنا مع النبي ﷺ في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي ﷺ، فنزل: قوله تعالى: ﴿فأينما تولوا فثم وجه الله﴾ [البقرة: ١١٥]، وزاد أبو داود الطيالسي فقال:«مضت صلاتكم»(٤)، والترمذي (٥) وقال: قد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا، وقالوا إذا صلى لغير القبلة ثم استبان له بعد ما صلى أنه صلى لغير القبلة فإن صلاته جائزة.
فلو لم يجتهد وصلى بغير اجتهاد أعاد أبدا، وإن أصاب القبلة.
كما أن من كان بمكة أو المدينة أو المساجد التي صلى فيها النبي ﵊ واجتهد وصلى أعاد أبدا.
(١) لكون أن من كان بمكة فإنه يستطيع تحقيق جهة الكعبة ومن كان بمسجد النبي ﷺ بالمدينة فقد قيل: إن محرابه، وضع بتسديد جبريل والله أعلم، قال ابن راشد: ومن بالمدينة يستدل بمحرابه ﷺ لأنه قطعي كما ذكرنا. (المذهب ١/ ٢٤٢). (٢) التوضيح على جامع الأمهات لخليل (٣/ ٧٨٩)، تحقيق: عبد العزيز الهويمل. (٣) ذكر القرافي الأدلة المنصوبة على الكعبة في الذخيرة (٢/ ١٢٨) فانظره فإنه مفيد. قال: وأصول الأدلة على الكعبة ستة: العروض والأطوال مع الدائرة الهندسية أو غيرها من الأشكال الهندسية على ما بسط في علم المواقيت والقطب والكواكب والشمس والقمر والرياح وهي أضعفها، كما أن أقواها العروض والأطوال ثم القطب. (٤) أبو داود الطيالسي (١١٤٥). (٥) الترمذي دون الزيادة وضعفه (٢٩٥٧ - ٣٤٥)، وحسن أحمد شاكر إسناده.