أي واعلم أن أفضل القلوب ما كان وعاء للخير، ولم تدنسه الخطايا، فالقلوب أوعية والآذان مقامع ترمي إليها، والولد كما قال ﷺ: ﴿كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمحسانه … ﴾ مالك، والشيخان (١)، وكما قال المجنون قيس بن الملوح العامري:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوا … فصادف قلبا خاليا فتمكنا
وقلوب أولاد المؤمنين لترعرعهم بين آباء مسلمين وأمهات مسلمات أولى القلوب بهذا الخير والسبق إليه، فإن من سبق إليه الشر احتاج إلى إزالته كما تزال الأوساخ والأقذار قبل صبغ الدار، وفي ذلك مشقة وأكدار، والولد إذا نشأ في بيئة علمية شرعية سهل انقياده، وتوجيهه وإرشاده:
وينشأ ناشي الفتيان منا … على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجى … ولكن يعوده التدين أقربوه (٢)
وقال آخر:
قد ينفع الأدب الأحداث في مهل وليس ينفع بعد الكبرة الأدب إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولن تلين إذا قومتها الخشب يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى (ت ٥٠٥ هـ):
«الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة، خالية من كل نقش وصورة؛ وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم، وشقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له»(٣).
(١) أخرجه مالك في: الموطأ (١٦٥)، والبخاري (١٣٥٩)، (٤٧٧٥) ومسلم (٨/ ٥٤) (٦٨٥٨). (٢) البيتان لأبي العلاء. والحجى: العقل. (٣) إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي الطوسي (المتوفى: ٥٠٥ هـ) (٣/ ٧٣) الناشر: دار المعرفة، بيروت.