للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقيل: هما من الشارب ويشرع قصهما معه، وقيل: هما من جملة شعر اللحية فيعفيان، والمراد به هنا: قطع الشعر النابت على الشفة العليا من غير استئصال، والمراد هنا قص الشعر النازل على طرف الشفة هذا الذي يسن قصه (لا إحفاؤه)؛ أي: لا استئصاله (والله أعلم)، قلت: وردت أكثر الأحاديث بلفظ القص كحديث أبي هريرة عند البخاري ومسلم، وحديث عائشة وحديث أنس عند مسلم، وكذلك حديث ابن عمر عند البخاري (١).

قال ابن القاسم عن مالك: «إحفاء الشارب عندي مثلة، والمراد بالحديث المبالغة في أخذ الشارب حتى يبدو طرف الشفتين .. » وقال أشهب: سألت مالكا عمن يحفي شاربه، فقال: «أولى أن يوجع ضربا» (٢) ولهذا كان مالك وافر الشارب، ولما سئل عن ذلك قال: حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير: «أن عمر كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ» (٣)،، قلت: فكيف لو رأى من يزعمون اتباع السنة عامة وأتباعه خاصة ممن يدعون أنهم مالكية وهم يحلقون لحاهم وشواربهم كأنها الصحون الملساء، ولكنها الأهواء ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ولقد ذهب بعض الأئمة المالكية كالقاضي عياض إلى التخيير بين القص والحف (٤) كما أنه رأي الإمام الطبري: حيث نقل عنه قوله: «دلت السنة على الأمرين ولا تعارض، فإن القص يدل على أخذ البعض، الإحفاء على أخذ الكل وكلاهما ثابت فيتخير فيما يشاء (٥). والسنة في قص الشارب أن يبدأ باليمين لكون النبي كان يحب التيامن في كل شيء».


(١) البخاري (٤٥٦/ ١٢) على فتح الباري (١/ ٤٧١).
(٢) الفتح (٢٨٥، ٢٨٦/ ١٠).
(٣) رواه الطبراني في الكبير بسند صحيح (١/ ٦٦) (٥٤)، وانظر: المجمع (٨٨٤٠) (٥/ ٢٩٩).
(٤) نقله الحافظ العراقي عنه في طرح التثريب (٢/ ٧٧).
(٥) فتح الباري (١/ ٤٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>