وغيرهم: أن الزنديق هو الذي يسر الإسلام ويخفي الكفر» (١)، وبعض علماء السلف يطلقه على الجهمية، كما يفعل ذلك الإمام عثمان بن سعيد الدارمي (ت ٢٨٢ هـ)«وقد يرمى صاحب المجون والفحش بالزندقة»(٢).
قال المصنف في حكم الزنديق:
(ويقتل الزنديق) حدا لا كفرا؛ أي: إن تاب حين اطلعنا عليه وفائدة قتله حدا أن ماله لوارثه، ومثل توبته بعد الاطلاع عليه إنكاره لما شهدت به البينة عليه من الزندقة. وأما لو اعترف بها ولم يتب، فلا يكون قتله حدا بل كفرا، ويكون ماله كمال المرتد لا يورث عنه، بل يكون مقره بيت مال المسلمين. ولا تقبل توبته إن ظهر عليه، وتقبل إن جاء تائبا قبل أن يظهر عليه (وهو الذي يسر الكفر ويظهر الاسلام) وهو المنافق في زمن النبوة، بل إن عقائد الزنادقة قد تضمنت كما هائلا من صنوف الكفر الصريح، والردة الظاهرة، كقولهم بالحلول وتأليه البشر، وتشبيه الله - تعالى - بخلقه، وإنكار النبوة أحيانا، وادعاء النبوة أحيانا أخرى! والقول بالتناسخ، وإنكار القيامة والجنة والنار، واستحلال المحرمات وجحد الواجبات (٣).
والزندقة موجودة وظاهرة في العصر الحديث، وهو أن المستشرقين (٤) قد اعتنوا عناية كبيرة بهذا الموضوع، فكتبوا دراسات مستقلة عن بعض الزنادقة، ولكنهم - كما هي عادتهم - دافعوا عن هؤلاء الزنادقة وعن آرائهم، ولمعوهم وأثنوا عليهم خيرا (٥)، وكثير من الحكام الماسونين اليوم على شاكلة الزنادقة
(١) الفتح (١٢/ ٢٧١). (٢) في كتابه (الرد على الجهمية)، وفي كتابه (النقض على بشر المريسي). (٣) انظر توضيحا لذلك على سبيل المثال: كتاب الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي، في باب الفرق التي انتسبت إلى الإسلام وليست منه في شيء. (٤) والمستشرقون: هم طائفة من علماء الغرب اعتنوا بدراسة العلوم المشرقية الإسلامية فمنهم من آمن وكثير منهم كفار خدموا الاستعمار الغربي وسرقوا كنوز المخطوطات النادرة، ولبسوا على أهل الغرب الإسلام بل شككوا في كثير من القضايا الإسلامية. (٥) انظر: كتاب (من تاريخ الإلحاد في الإسلام) لعبد الرحمن بدوي ودائرة المعارف الإسلامية للمستشرقين (١٠/ ٤٤٠ - ٤٤٦).