ذلك ببينة فلا يبرأ إلا ببينة، وإلى ذلك أشار بقوله:(والمودع) بفتح الدال (إن قال: رددت الوديعة إليك صدق إلا أن يكون قبضها بإشهاد) فلا يبرأ إلا بإشهاد على ردها لأنه حين أشهد عليه لم يكتف بأمانته، ولا بد أن تكون البينة مقصودة للتوثق وبذلك قيد غير واحد المدونة فلا تعتبر البينة إلا إذا قال: اشهدوا بأني استودعته كذا وكذا. وظاهر قوله: صدق، أنه لا يمين عليه، وعزوا للمدونة أن عليه اليمين. (وإن قال) المودع بفتح الدال (ذهبت)؛ بمعنى: تلفت الوديعة (فهو مصدق بكل حال) قبضها بإشهاد أولا، ويحلف المتهم دون غيره على المشهور. وقيل: يحلف المتهم وغيره، وصدر به ابن عمر، قاله التتائي (١).
وقوله:(والعارية لا يصدق في هلاكها فيما يغاب عليه) تكرار لأنه داخل في قوله: «والعارية مؤداة». (ومن تعدى على وديعة ضمنها) لقوله تعالى: ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾ [البقرة: ١٩٤]، وأوجه التعدي أشياء كثيرة منها: الإيداع عند الغير لغير عذر في السفر والحضر، والسفر بها من غير عذر، والانتفاع بها فتهلك.
وإليه يشير قول الشيخ:(وإن كانت) الوديعة (دنانير) أو دراهم مربوطة أو مختومة فتسلفها أو بعضها (فرد) مثلـ (ـها في صرتها ثم هلكت) الوديعة (فقد اختلف في تضمينه) فقيل: عليه الضمان لأنه متعد في حلها، وقيل: لا ضمان عليه، وبه أخذ ابن القاسم وغيره وشهره قال في «التوضيح»: وعلى المشهور فلا يصدق إلا بيمين (٢).
(ومن اتجر بوديعة فذلك مكروه والربح له)؛ أي: والخسارة عليه لأنه ضامن، لأنه بالتعدي والتصرف فيه صار في ضمانه وقد قال النبي ﷺ:«الغلة بالضمان»(٣) كما سبق وقوله: (إن كانت عينا) قيد في قوله وذلك مكروه تقدير
(١) الثمر الداني (٥٦٣) (٢) التوضيح على جامع الأمهات (٦/ ٤٧١). (٣) وقال الألباني: «حسن». انظر: حديث رقم (٤١٧٩) في صحيح الجامع.