للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: قال بعض العلماء: في هذه الآية دليلان: أحدهما: جواز الجعل وقد أجيز للضرورة؛ فإنه يجوز فيه من الجهالة ما لا يجوز في غيره؛ فإذا قال الرجل: من فعل كذا فله كذا صح، وشأن الجعل أن يكون أحد الطرفين معلوما والآخر مجهولا للضرورة إليه؛ بخلاف الإجارة؛ فإنه يتقدر فيها العوض والمعوض من الجهتين؛ وهو من العقود الجائزة التي يجوز لأحدهما فسخه؛ إلا أن المجعول له يجوز أن يفسخه قبل الشروع وبعده، إذا رضي بإسقاط حقه، وليس للجاعل أن يفسخه إذا شرع المجعول له في العمل (١).

قال رحمه الله تعالى: (ولا يضرب في الجعل)؛ بمعنى: الجعالة (أجل) لأن ذلك مما يزيد في غرر الجعل إذ قد ينقضي الأجل قبل تمام العمل فيذهب عمله باطلا، أو يأخذ ما لا يستحق إن انقضى العمل قبل تمام الأجل.

والجعالة تكون (في) أشياء كثيرة ك (رد آبق أو بعير شارد أو حفر بئر أو بيع ثوب ونحوه) وقوله: (ولا شيء له)؛ أي: للمجعول له (إلا بتمام العمل) نحوه في «المختصر». قال بهرام: ولعله فيما لا يحصل للجاعل فيه نفع إلا بتمام العمل، وإلا فمتى حصل له ذلك ولو لم يتم العمل فينبغي أن يكون له مقدار ما انتفع به. مثال ذلك: إذا طلب الآبق في ناحية ولم يجده بها فإنه وقع للجاعل النفع بذلك، لأنه تحقق أنه لم يكن في تلك الناحية؛ ومفهوم كلام الشيخ والمختصر أنه إذا لم يتم العمل لا شيء له (٢)، وهو كذلك لقوله تعالى: ﴿ولمن جاء به حمل بعير﴾ [يوسف: ٧٢]، ولحديث أبي سعيد الخدري فهو من باب الجعالة وذلك في أمر الرقية (٣) فعن أبي سعيد قال: … فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم، … فقدموا


(١) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٩/ ٢٣٢).
(٢) الثمر الداني (١/ ٥٢٣).
(٣) انظر: المغني لابن قدامة (٣/ ١٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>