قوله:(وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات)(١) وهو مما تفضل الله به على عباده المؤمنين أن من اقترف منهم شيئا من كبائر السيئات ثم تاب وأصلح أنه يتجاوز عنه ويعفو على سبيل الفضل والكرم؛ قال تعالى: ﴿إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما﴾ [الفرقان: ٧٠]، قال الشوكاني: قال الزجاج: ليس يجعل مكان السيئة الحسنة، ولكن يجعل مكان السيئة التوبة، والحسنة مع التوبة.
وقيل:«إن السيئات تبدل بحسنات، وبه قال جماعة من الصحابة، ومن بعدهم»(٢).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى (٣) القول الثاني: أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، وما ذاك إلا أنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر، فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار. فيوم القيامة وإن وجده مكتوبا عليه لكنه لا يضره وينقلب حسنة في صحيفته، كما ثبتت السنة بذلك، وصحت به الآثار المروية عن السلف، رحمهم الله تعالى - وهذا سياق الحديث - عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: «إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها. فتعرض عليه صغار ذنوبه فيقال عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا. فيقول نعم. لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه. فيقال له فإن لك مكان كل سيئة حسنة. فيقول رب قد عملت أشياء لا أراها ها هنا». فلقد رأيت رسول الله ﷺ«ضحك حتى بدت نواجذه»(٤). والآيات في هذا كثيرة جدا.
(١) الكلام على التوبة جاء مستوفى في الباب الجامع لجملة من الفرائض والسنن من هذا الشرح المبارك إن شاء الله تعالى. (٢) فتح القدير للشوكاني (٤/ ١٢٨). (٣) تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير (٣/ ٣٩٨) دار الفكر. (٤) مسلم (٤٨٧).