ذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم وضع قدر من الدين نظير التعجيل بالقضاء قبل الأجل المتفق عليه. فمن أقرض غيره قرضا إلى أجل، ثم قال المقرض للمقترض: أضع عنك بعض الدين نظير أن ترد الباقي قبل الأجل فإنه يحرم.
وصورتها: أن يكون لرجل على آخر دين إلى أجل مثل أن يكون عليه مائة درهم إلى شهر فيقول له رب الدين: عجل لي خمسين وأنا أضع عنك خمسين. وإنما امتنع هذا لأن من عجل شيئا قبل وجوبه مسلفا، فكأن الدافع أسلف رب الدين خمسين ليأخذ من ذمته إذا حل الأجل مائة ففيه سلف بزيادة، فإن وقع ذلك رد إليه ما أخذه منه، فإذا حل الأجل أخذ منه جميع ما كان له أولا وهو المائة، ويروى عن ابن عباس وزفر جواز ذلك (١)، لما رواه ابن عباس ﵄ أن النبي ﷺ لما أمر بإخراج بني النضير، جاءه ناس منهم، فقالوا: يا نبي الله، إنك أمرت بإخراجنا، ولنا على الناس ديون لم تحل، فقال رسول الله ﷺ:«ضعوا وتعجلوا»(٢).
أما عامة الصحابة والتابعين ﵃ والأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء تعالى على خلافه. وروى عبد الرزاق عن ابن المسيب وابن عمر ﵃ قالا:«من كان له حق على رجل إلى أجل معلوم، فتعجل بعضه وترك له بعضه، فهو ربا، قال معمر: ولا أعلم قبلنا إلا وهو يكرهه»(٣).
باب ما جاء في الربا في الدين كما في «الموطأ»: قال مالك رحمه الله تعالى: «والأمر المكروه الذي لا اختلاف فيه عندنا أن يكون للرجل على الرجل الدين إلى أجل فيضع عنه الطالب ويعجله المطلوب، وذلك عندنا بمنزلة الذي يؤخر دينه بعد محله عن غريمه ويزيده الغريم في حقه. قال: فهذا
(١) بداية المجتهد (٢/ ١٤٤)، مصطفى الحلبي وأولاده. (٢) أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (٢/ ٦٢) رقم (٢٣٢٥)، والبيهقي في السنن (٦/ ٢٨) (١٠٩٢٠)، والدارقطني (٣/ ٤٦) (١٩٠)، وفي إسناده اضطراب، وقد ضعف لأن في إسناده مسلم بن خالد الزنجي، وهو ثقة إلا أنه سيئ الحفظ. (٣) في مصنفه (٨/ ٧١).