ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى حَدِيقَتِهِ، فَبَسَطَ لَهُمْ بِسَاطًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلَةٍ فَجَاءَ بِقِنْوٍ فَوَضَعَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَفَلَا تَنَقَّيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَخْتَارُوا- أَوْ قَالَ: تَخَيَّرُوا مِنْ رُطَبِهِ وَبُسْرِهِ-. فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ المَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَذَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ظِلٌّ بَارِدٌ، وَرُطَبٌ طَيِّبٌ، وَمَاءٌ بَارِدٌ».
فَانْطَلَقَ أَبُو الهَيْثَمِ لِيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَذْبَحَنَّ ذَاتَ دَرٍّ»، قَالَ: فَذَبَحَ لَهُمْ عَنَاقًا أَوْ جَدْيًا، فَأَتَاهُمْ بِهَا فَأَكَلُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «هَلْ لَكَ خَادِمٌ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَإِذَا أَتَانَا سَبْيٌ فَأْتِنَا».
فَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِرَأْسَيْنِ، لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ، فَأَتَاهُ أَبُو الهَيْثَمِ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اخْتَرْ مِنْهُمَا»، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، اخْتَرْ لِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ المُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ، خُذْ هَذَا فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّي، وَاسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفًا»، فَانْطَلَقَ أَبُو الهَيْثَمِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: مَا أَنْتَ بِبَالِغٍ مَا قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ إِلَّا أَنْ تَعْتِقَهُ. قَالَ: فَهُوَ عَتِيقٌ.
فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا وَلَا خَلِيفَةً إِلَّا وَلَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَنِ المُنْكَرِ، وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَبَالًا (١)، وَمَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ فَقَدْ وُقِيَ».
وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وتابع آدمَ حسنُ الأشيب، أخرجه الطحاوي في «شرح مُشكِل الآثار» (٤٧٢).
(١) قَوْلُهُ (لَا تَأْلُوهُ خَبَالًا) أَيْ لَا تُقَصِّرْ فِي إِفْسَادِ أَمْرِهِ لِعَمَلِ مَصْلَحَتِهِمْ وَهُوَ اقْتِبَاسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَأْلُونَكُمْ خبالا﴾. «فتح الباري» (١٣/ ١٩٠) لابن حجر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute