غزوة حُنين
[حكم الكفار الذين تترسوا المسلمين]
ورد في الباب آية وحديث وما يتعلق بالمفسدة والمصلحة من أدلة:
أما الآية فمانعة، وهي قوله تعالى: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾.
قال القرطبي في «تفسيره» (١٦/ ٢٨٧): قَدْ يَجُوزُ قَتْلُ التُّرْسِ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ اخْتِلَافٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً كُلِّيَّةً قَطْعِيَّةً. فَمَعْنَى كَوْنِهَا ضَرُورِيَّةً أَنَّهَا لَا يَحْصُلُ الْوُصُولُ إِلَى الْكُفَّارِ إِلَّا بِقَتْلِ التُّرْسِ. وَمَعْنَى أَنَّهَا كُلِّيَّةٌ أَنَّهَا قَاطِعَةٌ لِكُلِّ الْأُمَّةِ، حَتَّى يَحْصُلَ مِنْ قَتْلِ التُّرْسِ مَصْلَحَةُ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يُفْعَلْ قَتَلَ الْكُفَّارُ التُّرْسَ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى كُلِّ الْأُمَّةِ. وَمَعْنَى كَوْنِهَا قَطْعِيَّةً أَنَّ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ حَاصِلَةٌ مِنْ قَتْلِ التُّرْسِ قَطْعًا.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَهَذِهِ الْمَصْلَحَةُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي اعْتِبَارِهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ التُّرْسَ مَقْتُولٌ قَطْعًا، فَإِمَّا بِأَيْدِي الْعَدُوِّ فَتَحْصُلُ الْمَفْسَدَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي هِيَ اسْتِيلَاءُ الْعَدُوِّ عَلَى كُلِّ الْمُسْلِمِينَ. وَإِمَّا بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَيَهْلِكُ الْعَدُوُّ وَيَنْجُو الْمُسْلِمُونَ أَجْمَعُونَ.
وَلَا يَتَأَتَّى لِعَاقِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يُقْتَلُ التُّرْسُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ ذَهَابُ التُّرْسِ وَالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ غَيْرَ خَالِيَةٍ مِنَ الْمَفْسَدَةِ، نَفَرَتْ مِنْهَا نَفْسُ مَنْ لَمْ يُمْعِنَ النَّظَرَ فِيهَا، فَإنَّ تِلْكَ المَفْسَدَةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا حَصَلَ مِنْهَا عَدَمٌ أَوْ كَالْعَدَمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute