للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - في «المدونة» (٤/ ٦٦٦): أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ سَفِينَةً صَدَمَتْ سَفِينَةً أُخْرَى، فَكَسَرَتْهَا فَغَرِقَ أَهْلُهَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنَ الرِّيحِ غَلَبَتْهُمْ، أَوْ مِنْ شَيْءٍ لَا يَسْتَطِيعُونَ حَبْسَهَا مِنْهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَوْ شَاءُوا أَنْ يَصْرِفُوهَا صَرَفُوهَا، فَهُمْ ضَامِنُونَ (١).

• ثالثًا: أقوال الفقهاء:

قال الكاساني في «بدائع الصنائع» (٧/ ٢٧١): وَكَذَلِكَ الرَّاكِبُ إِذَا كَانَ يَسِيرُ فِي الطَّرِيقِ الْعَامَّةِ، فَوَطِئَتْ دَابَّتُهُ رَجُلًا بِيَدَيْهَا أَوْ بِرِجْلِهَا؛ لِوُجُودِ مَعْنَى الْخَطَأِ فِي هَذَا الْقَتْلِ وَحُصُولِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَاشَرَةِ؛ لِأَنَّ ثِقَلَ الرَّاكِبِ عَلَى الدَّابَّةِ، وَالدَّابَّةُ آلَةٌ لَهُ، فَكَانَ الْقَتْلُ الْحَاصِلُ بِثِقَلِهَا مُضَافًا إِلَى الرَّاكِبِ، فَكَانَ قَتْلًا مُبَاشَرَةً، وَلَوْ كُدِمَتْ أَوْ صُدِمَتْ أَوْ خُبِطَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ، إِلَّا أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ؛ لِحُصُولِ الْقَتْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّسَبُّبِ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ، وَلَا يُحْرَمَانِ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ السَّوْقِ وَالْقَوَدِ يُقَرِّبُ الدَّابَّةَ مِنَ الْقَتْلِ، فَكَانَ قَتْلًا تَسْبِيبًا لَا مُبَاشَرَةَ، وَالْقَتْلُ تَسَبُّبًا لَا مُبَاشَرَةً لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الرَّاكِبِ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ مُبَاشَرَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالرَّدِيفُ وَالرَّاكِبُ سَوَاءٌ، وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ، وَيُحْرَمَانِ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ ثِقَلَهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ، وَالدَّابَّةُ آلَةٌ لَهُمَا، فَكَانَا قَاتِلَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ.

وَلَوْ نَفَحَتِ الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا أَوْ بِذَنَبِهَا وَهُوَ يَسِيرُ، فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ عَلَى رَاكِبٍ وَلَا سَائِقٍ وَلَا قَائِدٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ السَّيْرَ وَالسَّوْقَ وَالْقَوْدَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مَأْذُونٌ فِيهِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، فَمَا لَمْ تَسْلَمْ عَاقِبَتُهُ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا فِيهِ، فَالْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا إِلَّا إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِسَدِّ بَابِ الِاسْتِطْرَاقِ عَلَى الْعَامَّةِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَالْوَطْءُ وَالْكَدْمُ وَالصَّدْمُ وَالْخَبْطُ فِي السَّيْرِ وَالسَّوْقِ وَالْقَوْدِ مِمَّا يُمْكِنُ


(١) وانظر: «الكافي في فقه أهل المدينة» (٢/ ١١٢٤)، و «كشاف القناع» (٤/ ١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>