وقال ابن عبد البر (١): «وأما من طريق الإسناد، فحديث ربيعة أحسن إسنادًا في ظاهره، إلا أنه قد بان من باطنه ما يُضعفه، وذلك مُخالَفة أكثر الحُفاظ له، فإن لم يكن
(١) قال ابن عبد البر في «التمهيد» (٣/ ٩): أما قوله: (بَعَثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين) فمُختلَف في ذلك على ما نحن ذاكروه إن شاء الله. وأما قوله: (بالمدينة عشر سنين) فمجتمع عليه، لا خلاف بين العلماء فيه. وأما قوله: (وتوفاه الله على رأس ستين) فمُختلَف فيه على حسَب اختلافهم في مقامه بمكة، فحديث ربيعة عن أنس على ما ترى، أن رسول الله ﷺ تُوفي وهو ابن ستين. ورواه عن ربيعة جماعة من الأئمة، منهم مالك، وأنس بن عِيَاض، وعمارة بن غَزِيَّة ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأوزاعي، وسعيد بن أبي هلال، وسليمان بن بلال، كلهم عن ربيعة عن أنس، بمعنى حديث مالك سواء. وقد ذَكَر البخاري حديث ربيعة هذا عن أنس، ثم أتبعه فقال: حدثني أحمد صاحب لنا قال: حدثني أبو غسان محمد بن عمرو الرازي زُنَيْجٍ قال: حدثنا حَكَّام بن سَلْم قال: حدثنا عثمان بن زائدة، عن الزبير بن عَدي، عن أنس بن مالك قال: تُوفي رسول الله ﷺ وهو ابن ثلاث وستين سنة، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة، وعمر وهو ابن ثلاث وستين سنة. قال البخاري: وهذا عندي أصح من حديث ربيعة. قال أبو عمر: إنما قال ذلك البخاري- والله أعلم- لأن عائشة ومعاوية وابن عباس- على اختلاف عنه- كلهم يقول: إن رسول الله ﷺ تُوفي وهو ابن ثلاث وستين. ولم يُختلَف عن عائشة ومعاوية في ذلك. رواه جرير عن معاوية. وجاء عن أنس ما ذَكَر ربيعة عنه، وذلك مُخالِف لما ذكره هؤلاء كلهم. ورَوَى الزبير بن عَدي وهو ثقة عن أنس ما يوافق ما قالوا، فقَطَع البخاري بذلك لأن المنفرد أَولى بإضافة الوهم إليه من الجماعة. وأما من طريق الإسناد، فحديث ربيعة أحسن إسنادًا في ظاهره، إلا أنه قد بان من باطنه ما يُضعفه، وذلك مُخالَفة أكثر الحُفاظ له، فإن لم يكن هذا وجه قول البخاري، وإلا فلا أعلم له وجهًا، وقد تابع ربيعة على روايته عن أنس نافع أبو غالب.