ومع ذلك، فالأفضل عدم اصطياده؛ لأن غالب بيوت القرى فيها حَمَام، وهو يَطلب رزقه من كل المواقع، فحَمَام الكل يأكل من طعام الكل غالبًا، والأمر متبادل بين البيوت، والتسامح في ذلك من وسائل التواد والتراحم والتعاون على الخير، فلنحرص على هذه الرُّوح السمحة، ولا نتورط في شيء قد يكون من ورائه ما لا تُحمَد عقباه، مذكرًا للناس بهذا الحديث الصحيح:«ما من مسلم يَغرس غرسًا أو يَزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة» رواه مسلم.
وأما العصافير-وهي غير مملوكة لأحد- فيُكتفى بطردها إن أمكن. أما إذا لم يمكن طردها فلتوضع لها شباك تصاد بها، ويُنتفع بلحمها، أو تصاد بالرصاص الخارق -على رأي بعض العلماء -ويقوم ذلك مَقام ذبحها، والصيد بالشباك للانتفاع بالعصافير بدل إبادتها وضياع الاستفادة من لحمها- هو ما أشار إليه النبي ﷺ فيما رواه النَّسائي والحاكم وصححه بقوله:«ما من إنسان يَقتل عصفورًا فما فوقها لغير حقها، إلا سأله الله ﷿ عنها» قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال:«يذبحها فيأكلها، ولا يَقطع رأسها ويرمي بها» وفيما رواه النَّسائي وابن حبان في «صحيحه» بقوله: «مَنْ قَتَل عصفورًا عبثًا، عَجَّ إلى الله يوم القيامة، يقول: يا رب، إن فلانًا قتلني عبثًا، ولم يقتلني منفعة».
وهذا توجيه اقتصادي إسلامي إلى عدم ضياع المنفعة من الشيء في الوقت الذي يدافع فيه ضرر هذا الشيء، وهذا كما يقال:(ضَرَب عصفورين بحجر واحد) دفعنا الشر واستفدنا مما فيه من خير.