يهاجر من أهل مَكّة والأعْرَاب، كذا رُوى عن قتادة، وكان النَّبِىُّ - صلّى الله عليه وسلّم - يَكْرَه أن يَموُت الرَّجُلُ بالأرض التي هَاجَر منها؛ فَمِنْ ثَمّ قال:"لكِن البَائِسُ سَعْدُ بنِ خَوْلَةَ"، يَرْثى له (١ رسُول الله - صلّى الله عليه وسلّم ١) أنْ مات بمَكّة، وقال عليه الصّلاة والسّلام - حين قدم (٢) مكة -: "اللهُمّ لا تَجْعَل مَنَايانَا بهَا".
وكان ابنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - إذا مَرَّ بدَارِه بمكَّة غمَّضَ عَيْنَيْه، كَراهَةَ أن يَحنّ إليها، فلما فُتِحَتْ مَكّةُ صَارَت دَارَ إسْلامٍ كهيئة المَدِينَةِ، وانَقَطَعت الهِجْرَةُ.
- فأمّا قَوله عليه السَّلام:"لَا تَنْقَطِع الهِجْرَةُ حتَّى تَنْقَطِعَ التَّوبَة"
فمعناه:(٣) مَن اتّصَلَ بالمُسْلِمين مِن الأَعْرابِ، وغزَا مَعَهم فهو مُهاجِر، ولَيْسَ بدَاخِلٍ في فَضْلِ مَن هَاجرَ قَبل الفَتح. وقال الطَّحَاوى: قوله: "لا تَنقطِعُ الهِجْرَةُ مَا كان الجِهَادُ، أو ما قُوتِل الكفَّار" يَعنى كُفارَ مَكَّة حتى فُتِحت عليهم.
وَرُوى هذا المعنى عن ضمضم، عن شُرَيح بن عبيد، عن مالك بن يُخامِر، عن عبد الرحمن بن عَوف - رضي الله عَنهم -
(١ - ١) سقط من أ، والمثبت عن ب، جـ، ن. (٢) ب، جـ: "حين فتح مكة" (٣) ن: الهِجْرة الثانية: مَن هَاجر من الأعراب وغَزَا مع المُسْلمين، ولم يفعل كما فَعَل أصْحابُ الهِجْرة الأولى، فهو مُهاجر، وليس بدَاخِل في فَضْل من هاجَر تلك الهِجْرة، وهو المراد بقوله: "لا تَنْقَطِع الهجرَةُ حتى تَنْقَطِع التَّوبَة" فهذا وجْه الجَمْع بَينْ الحديثَين، وإذا أُطْلِق في الحديث ذِكْرُ الهِجْرَتَيْن فإنْما يُرادُ بهما هِجْرةُ الحبَشَة وهِجْرةُ المدينة.