وهذا القول اختيار الزجّاج؛ لأنه قال (١): لو كانت المنّةُ فيه [أنه](٢) مِنَ العرب، لكانَ (٣) العَجَمُ لا مِنَّة عليهم فيهِ، ولكن المِنَّة (٤) فيه: أنَّهُ قد خُبِرَ أمْرُه، وشأنُه، وعُلِمَ صدقُهُ، بعد أنْ عَلِمُوا أنه كان واحدًا منهم، وإذا كان واحدًا منهم، كانَ أيْسَرَ عليهم معرِفةُ أحوالِهِ مِنَ الصِّدقِ والأمانة.
وعلى هذا التفسير: خُصّ المؤمنون بالذكر، وإنْ كانَ جميعُ المُكَلَّفِينَ في هذا سواء؛ لأن المِنّة على المُؤْمِنِ في هذا أعظمُ منها على الكافر؛ لانتفاع المؤمن ببعثته، فصار كقوله:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}[النازعات: ٤٥]، وهو كان منذرًا لجميع البَشَرِ، ولكنْ لَمَّا كان المؤمنُ يخشَى الساعةَ دون الكافرين، وكان للمؤمن الانتفاعُ بإنذاره، أُضِيفَ إليه.
وباقي الآية مفسَّرَةٌ في سورة البقرة (٥).
وقوله تعالى:{وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} قيل: معناه: وقد كانوا (٦).
وقيل: معناه: وما كانوا مِنْ قَبْلِهِ؛ أي (٧): مِنْ قبل محمد، إلَّا في
(١) في "معاني القرآن" له ١/ ٤٨٧. نقله عنه بتصرف يسير. (٢) ما بين المعقوفين زيادة ليستقيم بها السياق. (٣) في (ب): (لكانت). (٤) في (ب): (أمانته). (٥) انظر: تفسير الآية ١٢٩، والآية ١٥١ من سورة البقرة. (٦) لم أقف على من قال بهذا القول، إلا أنه يُخَرَّج على قول الكسائي -من الكوفيين- أنَّ (إنْ) إنْ دخلت على جملة فعلية، تكون بمعنى (قد)، واللام زائدة للتوكيد، وإن دخلت على جملة اسمية، فتكون (إنْ) هي النافية، واللام بمعنى (إلَّا). انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ١٦٣، و"اللامات" للزجاجي ١١٥، و"الجنى الداني" ٢١٤، و"الدر المصون" ٢/ ٣٣٤. (٧) (من قبله أي): ساقط من (ج).