قال أبو إسحاق:(كان المشركون سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بمشورة اليهود عن قصة أصحاب الكهف، وعن الروح، وعن هذين الرجلين فأعلمه الله الجواب؛ لأنه مثل له -صلى الله عليه وسلم- وللكفار، ومثل لجميع من آمن بالله، وجميع من عَنَدَ عنه وكفر به)(١). فقال:{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ} منصوب (٢) على معنى المفعول.
وقوله تعالي:{وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} الحفُّ: الإطافة بالشيء، يقال: حفَّ القوم بسيدهم يَحُفُّون بضم الحاء إذا أطافوا به وعكفوا (٣)، ومنه قوله:{حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}[الزمر: ٧٥]. والمعنى: جعلنا النخل مطبقًا بها {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا} أي: بين الجنتين {زَرْعًا} ثم أخبر أنهما كاملتان في مادة حملهما وأعنابهما، والزرع الذي بينهما.
٣٣ - فقال:{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} ذكرنا الكلام في (كلا) عند قوله: {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا}[الإسراء: ٢٣]، وأما {كِلْتَا} فذهب سيبويه إلى أنها فعلى بمنزلة الذكرى، وأصلها كلوى، فأبدلت الواو تاء كما أبدلت في أنحت وبنت (٤). والذي يدل على أن لام "كلتا" معتلة قولهم في مذكرها: كِلَى، وكِلَى فِعَل، ولامه معتلة بمنزلة لام حِجَى وَرِضَى، وهما من الواو لقولهم: حَجَى يَحْجُو، والرضوان، ولذلك مثلها سيبويه بما اغتسلت لامه فقال:(هي بمنزلة شروى)(٥).