١٠ - قوله:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} أي أتوا المدينة بعد الأنصار، فإنهم نزلوها بعدهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبل وألف بين قلوبنا ولا تجعل فيها غمرًا (١) للذين آمنوا، أي: حسدًا للأنصار، وذكره الفراء (٢)، والصحيح ما عليه الناس لقوله:{سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} والأنصار لم يسبقوا المهاجرين بالإيمان (٣). والأكثرون أيضًا على أن قوله:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} وقوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا} عطف على قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ}(٤) ويؤكد هذا ما روى مالك بن أوس بن الحدثان (٥) أن عمر بن الخطاب ذكر الفيء ثم قرأ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} حتى بلغ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ}
(١) الغِمْرُ والغَمَرُ: الحقد والغل، والجمع غُمور. وقد غَمِرَ صدرهُ عليّ بالكسر يَغْمُر غِمْرًا وغَمَرًا. "اللسان" ٢/ ١٠١٥ (غمر). (٢) "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٤٥، و"جامع البيان" ٢٨/ ٣١، ذكراه دون نسبة لقائل. (٣) قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: هؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء وهم المهاجرون ثم الأنصار ثم التابعون لهم بإحسان كما قال في آية براءة {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣٣٩. (٤) قال النحاس: وعلى هذا كلام أهل التفسير والفقهاء، و"إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٣٩٩. (٥) مالك بن أوس بن الحدثان. قديم أدرك الجاهلية، ولكنه تأخر إسلامه، رأى أبا بكر، وروى عن عمر وعثمان. مات بالمدينة سنة (٧٢ هـ). انظر: "طبقات ابن سعد" ٥/ ٥٦، و"سير أعلام النبلاء" ٤/ ١٧٠، و"المعارف" ص ٤٢٧، و"التقريب" ٢/ ٢٢٣.