وهذا الذي قاله أبو بكر إنما هو على مذهب البصريين؛ لأن عندهم لا يجوز إضافة الشيء إلى نفسه وإن اختلف اللفظان (١)، وقال على مذهب الكوفيين: الدار نوع والآخرة جنس، وكانت إضافة النوع إلى الجنس يجري مجرى قولهم: قميص وَشْي، وجبَّة خَزّ إذ القميص من الوشي، فكانت الدار كأنها بعض الآخرة، إذ الآخرة يقع على معان كثيرة {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} هذا فتؤمنوا.
١١٠ - قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} الآية، (حتى) هاهنا حرف من حروف الابتداء يستأنف بعدها كما يستأنف بعد "أما، وإذا"، وذلك أن (حتى) لها ثلاثة أحوال: إما أن تكون جارة، أو عاطفة، [أو كانت من حروف الابتداء، وليست هاهنا جارة ولا عاطفة](٢)، وحيث ينصب الفعل إنما ينصبه بإضمار أن، ومما جاء فيه (حتى) حرفًا مبتدأ كقوله (٣):
وحَتّى الجِيَادُ ما يُقَدْنَ بأرْسَانِ (٤)
ألا ترى أنها ليست عاطفة لدخول حرف العطف عليها، ولا جارة
(١) "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ١٦٠، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٥٣، والقرطبي ٩/ ٢٧٥، وابن عطية ٨/ ٩٨. (٢) ما بين المعقوفتين في (ب)، وهو ساقط من (أ)، (ج). (٣) في (أ)، (ج): (وقوله تعالى). (٤) البيت لامرئ القيس، وصدره: سريتُ بهم حتى تكلَّ مطيُّهُمْ وهو في "ديوانه" ص ٩٥، و"الدر" ٦/ ١٤١، و"شرح أبيات سيبويه" ٢/ ٤٢٠، و"الكتاب" ٣/ ٢٧، و"اللسان" (غزا)، و"شرح شواهد الإيضاح" ص ٢٢٨، و"شرح شواهد المغني" ١/ ٣٧٤، و"شرح المفصل" ٥/ ٧٩.