١٠١ - قوله تعالى:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} الآية، قال ابن عباس (١): ثم دعا ربه وحمده وشكره فقال: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ}، وذكر أبو إسحاق (٢) وأبو بكر في (من) هاهنا قولين:
أحدهما: أنها للتبعيض، وكذلك هي في قوله:{وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}؛ لأنه كان قد ملك مصر ومُلْك مصر قطعة من الملك، وعبارة الرؤيا جزء من علم تأويل الأحاديث.
الثاني: أن (من) دخلت للتجنيس، وتلخيصها: آتيتني من جنصر الملك ومن جنس تأويل الأحاديث كقوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ}[الحج: ٣٠] أي: اجتنبوا الرجس الذي هو وثن، ولم يؤمروا باجتناب بعض الأوثان.
قال أبو بكر: والقول هو الأول؛ لأن (٣)(من) تأتي مجنسة عند تمام الكلام نحو قولهم: قطعت ثوبًا من الخز، وعليه جبة من الوشي، ولا يكاد يقال: قطعت من الوشي، ولبست من الخز، إلا والمفعول مقدر في النية، و (ءاتيتني) في الآية غير مستغنى عما بعده، فيكون (من) مفسرة في موضع النقص بفتح، وقوله:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} أتت فيه من مفسرة مجنسة بعد كلام لو اقتصرت عليه عقل، قال: ويجوز أن يكون المعنى: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} الملك، وعلمتني تأويل الأحاديث، فأكد الكلام بمن كما أُكِّد بها في قوله:{وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}[محمد: ١٥].
(١) انظر: ابن كثير ٢/ ٥٢٩. (٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٢٩. (٣) لأن: زيادة من (ب).