قال أبو إسحاق: ومعنى الدعاء من إبراهيم أن يُجَنَّبَ عبادة الأصنام، وهو غير عابد لها، على معنى: ثبِّتْنِي على اجتناب عبادتها؛ كما قال:{وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}[البقرة: ١٢٨]، أي: ثبِّتْنا على الإسلام (١).
وقال غيره من أهل المعاني قوله:{وَبَنِيَّ} دعاء لمن أذن الله في أن يدعو له؛ فكأنه قال: وبنيَّ الذين أذنت لي في الدعاء لهم؛ لأن دعاء الأنبياء مستجاب، وقد كان من نسله من عبد الصنم (٢)، أو خص بهذه الدعوة أبناءه من صُلْبِه (٣).
والصَّنم: الصورة التي تُعْبَد، وجمعه أصنام (٤).
٣٦ - قوله تعالى:{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} قال أبو إسحاق وغيره: أي ضَلُّوا بسببها؛ لأن الأصنام لا تعقل ولا تفعل شيئًا؛ كما يقول: قد افْتَنَتْنِي هذه الدار؛ أي: أحْبَبْتُها واسْتَحْسَنْتُها وافْتُتِنْتُ بسببها (٥)، فلما ضل الناس بسببها صارت كأنها أضلتهم، فنُسِب الفعل إليها.
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٦٤ بنصه. (٢) وعلى هذا القول يكون دعاؤه من العام المخصوص. انظر: "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٣٣ و"الدر المنثور" ١/ ٢٥٢. (٣) لم أقف عليه في الكتب المطبوعة. وانظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٥٤، وابن عطية ٨/ ٢٥٠، والزمخشري ٢/ ٢٠٤. (٤) الصَّنم معروف، وهو أخص من الوثن، والفرق بينهما؛ أن الصنم هو ما نحت على هيئة البشر، والوثن ما كان منحوتاً على غير هيئة البشر. انظر: "تفسير ابن عطية" ٨/ ٢٥١، والفخر الرازي ١٩/ ١٣٣، والألوسي ١٣/ ٢٣٤. (٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٦٤ بنصه تقريباً.